Site icon IMLebanon

الحد من الدور العسكري  وتمدد الدور السياسي

 

كما في الدخول العسكري كذلك في سحب القسم الأكبر من القوات الروسية: مغامرة محسوبة للرئيس فلاديمير بوتين صاحب القرارات التي تفاجئ الشركاء والأصدقاء والخصوم. وليس من السهل على أي طرف أن يتحمل كلفة الخطأ في الحسابات. فلا كان من الواقعية رهان النظام وحلفائه على ان يقاتل الروس على مدى غير محدود، وأن يكتفوا بارسال طائرات السوخوي من دون نصائح سياسية. ولا خارج الأوهام أن يقرأ خصوم النظام في الانسحاب الجزئي بداية تغيير دراماتيكي في الموقف الروسي.

اذ المظلة الروسية العسكرية والسياسية والديبلوماسية لا تزال فوق سوريا. والأولوية في الحسابات المتعلقة بادارة المظلة هي للمصالح الوطنية الروسية وللوضع السوري الذي يجب أن يلائم تلك المصالح، لا للوضع المفتوح على حرب طويلة ورهانات ضيقة ومخاطر على المصلحة الوطنية السورية والمصالح الروسية.

ذلك ان الدخول العسكري حقق لموسكو مجموعة مكاسب وأهداف. بعضها في اطار الصراع الجيوسياسي لجهة تثبيت النظام ومساعدته على الانتقال من الدفاع الى الهجوم بحيث تمكن، حسب وزارة الدفاع الروسية، من تحرير ٤٠٠ مدينة وقرية. وسط ترتيب قاعدتين للروس على المتوسط مع اتفاق للتنقيب عن النفط والغاز قبالة الشاطئ السوري. وبعضها الاخر في المجال الاستراتيجي لجهة فرض الشراكة الروسية على أميركا في ادارة النظام العالمي واعادة رسم النظام الاقليمي. والوظيفة الأساسية للانسحاب الجزئي هي الحفاظ على هذه المكاسب. ففي الحد من الدور العسكري كثير من تمدد الدور السياسي. وبوتين الذي اعلن ان التدخل العسكري حقق اهدافه بشكل كبير وهيّأ الظروف لبدء عملية السلام يأمل في ان يشكل سحب القوات دافعاً ايجابياً للتعاون بين القوى السياسية في جنيف.

والانطباع السائد ان توقيت القرار اضاف رسالة الى الرسائل المتعددة التي بعث بها القرار. فما سبق القرار عشية جنيف-٣ كان تصعيد الموقف في دمشق وتحذير دي ميستورا وسواه من محاولة التأثير في موقف النظام. وكان بالمقابل اصرار المعارضة على التمسك بحرفية بيان جنيف-١. وما قيل بعد القرار هو انه ضغط على النظام لتليين موقفه من التسوية، وتحذير له وللمعارضة من خطورة الاستهانة بالاتفاق الروسي – الأميركي.

والسؤال هو: هل تتوقف الأطراف عن الرهان على الحل العسكري، وهي تتحدث عن الحل السياسي؟ ألم تؤكد التجارب صعوبة دفع النظام الى قبول تسوية جوهرها الانتقال الديمقراطي للسلطة سواء كان في موقف عسكري ضعيف أو قوي؟ ألا تلجأ المعارضة الى رفع السقف أكثر كلما خسرت على الأرض؟ الجواب المعروف خاضع لامتحان هو اتفاق الكبار على التسوية السياسية.