Site icon IMLebanon

خفض رواتب الرؤساء والنواب والوزراء: الجبلُ ولدَ فأراً!

 

يبدو طرح تخفيض رواتب النواب والوزراء السابقين والحاليين وأجورهم، أقرب إلى مسرحية، تحاول بعض القوى السياسية من خلاله التغطية على فكرة المسّ برواتب الموظفين في القطاع العام وأجورهم. الطرح لا تستسيغه معظم الكتل النيابية، ونسبة التخفيض مهما بلغت فلن تؤدي إلى سداد العجز أو توفير التقشف المطلوب. على العكس من ذلك، هي خطوة تمسّ بمبدأ حق المواطنين بتقاضي رواتب منصفة لقاء تقديم خدمة عامة

 

لم يبتكِر وزير المالية علي حسن خليل بالحديث عن «حسم 50 في المئة من رواتب السلطات العامة» جديداً. من باب الشعبوية طرح النائب سامي الجميّل الفكرة قبل 9 سنوات، بحجّة أن «تخلّي النواب عن رواتبهم يوفّر على الخزينة نحو 29 مليار ليرة سنوياً». لكنّ الجميل نفسه عادَ واعترفَ في أحد الاجتماعات المٌغلقة مع وفد غربي سأله عن جدية هذا الطرح بأن «لا إمكانية للسير به». ومنذ فترة استعارت النائب بولا يعقوبيان الفكرة وحولتها إلى اقتراح قانون ينصّ على «خفض 50 بالمئة من رواتب النواب الحاليين، ويلغي معاشات السابقين، ويتضمّن حسم 5 بالمئة من راتب كل نائب يتغيب بلا عذر عن الجلسات والاجتماعات النيابية». بمعزل عن الخلفية التي انطلق منها الجميّل ويعقوبيان، فإن تجدّد الشعار حالياً، وصولاً إلى تبنيه من قبل مجلس الوزراء أمس، لا يهدِف إلا إلى ذرّ الرماد في العيون، وتبرير أي إجراءات قد تطاول الطبقات الفقيرة والمتوسطة في معرض الحديث عن رواتب الموظفين في القطاع العام.

 

نسبة التخفيض في رواتب السلطات العامة (الرؤساء والنواب والوزراء) مهما بلغَت، فلن تؤدي الى خفض العجز بنسبة تُذكر. غيرَ أن هذه الحقيقة وفقَ ما تُبيّنه الأرقام، لا تُلغي معها حقيقة أخرى، وهي أن مجموع ما يتقاضاه النواب والوزراء من رواتب وحوافز وبدلات يُعد مرتفعاً مقارنةً بتلكَ التي تحصّلها السلطات العامة في دول شبيهة بلبنان وأخرى أكثر تقدماً. يُضاف إليها تخصيص رواتب «تقاعدية» للرؤساء والنواب السابقين، الذين يستمرون في الحصول على نسبة عالية من الرواتب والمخصصات التي كانوا يتقاضونها خلال الخدمة، من دون أن تكون هناك إجابة واضحة ومحددة عن السبب الذي يبرر ذلك، خاصة للنواب السابقين.

 

«لن نكون ضحية السياسة التقشفية»…

اليوم يطفو الحديث عن الإصلاحات المالية لخفض العجز في الموازنة، وكما كل القطاعات التي ترفض أن تكون ضحية السياسة التقشفية لكونها غير مسؤولة عن هذا العجز، ينتفض النواب في وجه التخفيضات لكي لا تطاول مخصصاتهم بحجة أن «رواتبهم بالكاد تكفي مستلزمات النيابة». ثمة خلاف داخل كل كتلة بين من يوافق على الطرح وبين من يرفضه، وكل وفقَ الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها، أو مرتبته الوظيفية قبل النيابة، ما يجعل هذا الطرح غير قابِل للتنفيذ، ولا يبدو أن أحداً من نواب الأمة مستعدّ للقيام بمبادرة للتخلي عن راتبه إلا في ما ندَر.

يشكّل موضوع خفض رواتب النواب والوزراء مادة جدلية. صحيح أن أغلب القوى السياسية لم تحسم قرارها بعد من كل الأفكار المطروحة، لكن الصرخة خلف أبواب المجلس ترتفع. عدد كبير من النواب يرى أن مثل هذا الطرح ليسَ سوى دليل «إفلاس»، لأن «القوى السياسية تبحث عن وسائل لخفض العجز في المكان الخطأ، حتى لا تضطر للجوء الى أبواب أخرى». يعتبر هؤلاء أن «مجموع ما يتقاضاه النواب لا يكاد يُذكر مقارنةً بما يُمكن تحصيله من التهرب الضريبي الذي، بحسب اعتراف وزارة المالية، يقدر بما يتجاوز مبلغ 400 مليون دولار في السنة الواحدة. كذلك الضريبة على الأملاك البحرية التي أدى عدم تعديل مرسومها قبل عام 2017، إلى خسارة الدولة ما يقارب 600 مليون دولار». يعلّل هؤلاء رفضهم بالتفاوت المعيشي بينَ «زملاء المهنة»: «قد لا يكون أشخاص كسعد الحريري ونجيب ميقاتي ووليد جنبلاط ونبيه بري على سبيل المثال لا الحصر محتاجين للراتب، لكن ثمة نواب لا يملكون وظيفة أخرى، وهم اضطروا إلى التخلي عن مهنتهم الأساسية واكتفوا بالنيابة أو الوزراة، وبالتالي إن الرواتب التي يتقاضونها لا تكفي لمتطلبات الوزارة أو النيابة التي لا تقتصر على الشأن التشريعي أو الخدماتي. فهناك الاستقبالات في المكاتب والمنازل والجولات المتعددة ما بين العاصمة والمناطق». وبعدَ أن كان رئيس الحزب الاشتراكي النائب وليد جنبلاط مؤيداً لهذا الطرح، علمت «الأخبار» أنه عاد وتراجع عنه، نتيجة رفض نواب حزبه له. وفيما لا يزال موقف حزب الله والقوات اللبنانية والمردة والتيار الوطني الحر غير محسوم بشأنه، يؤكد مستقبليون أنهم ضده بالمطلق، كذلك كان رأي بعض النواب في كتلة «التنمية والتحرير».

نحو 100 مليار ليرة سنوياً تُدفع للرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين

 

بعض النواب يفصل بين أصحاب السعادة وأصحاب المعالي، لأن «النائب هو ممثل الشعب وليسَ موظفاً في الدولة ولا تطاوله سلسلة الرتب والرواتب، وهو يقبض تعويضاً لا راتباً بحسب ما ينص عليه القانون». خفض الرواتب بحسب غالبية النواب الذين تحدّثوا إلى «الأخبار» يعني «دعوة المقتدرين حصراً للعمل في الشأن العام». يدافع النواب بشراسة عن نقطة وحيدة تتعلق بتنصيف الراتب الذي يُعد «منخفضاً» بالنسبة إليهم. في الدول الأوروبية مثلاً، لا يتجاوز راتب النائب 9 أضعاف الحدّ الأدنى للأجور (نحو 18 ضعفاً في لبنان). أما في الولايات المتحدة، فيبلغ دخل عضو الكونغرس نحو 3 أضعاف حصة الفرد من الناتج القومي الإجمالي (نحو 10 أضعاف في لبنان). يعترف النواب بذلك، لكن «علينا المقارنة بين الحدّ الأدنى للأجور في لبنان وغيره من الدول» يقول هؤلاء، متحدّثين كما لو أن السعي إلى رفع الحد الأدنى للأجور هو أمر لا يعنيهم.

 

رواتب النواب السابقين…

تبقى رواتب النواب السابقين هي الأكثر إثارة للجدل. عددهم اليوم هو بنحو 3 أضعاف النواب الحاليين. متى بدأ النواب السابقون يتقاضون رواتب؟ ثمة قصة يرويها مطلعون على العمل البرلماني وهي «الشكوى التي تقدم بها عدد من المحيطين بالرئيس الأسبق للجمهورية سليمان فرنجية بعد أن شوهد النائب الأسبق عبد العزيز شهاب وهو يتنقل بباص الدولة لعدم قدرته على شراء سيارة». هذا الأمر دفع فرنجية، عام 1974، إلى إصدار القانون رقم 25 الذي أقره مجلس النواب، والذي نص على دفع مخصصات وتعويضات شهرية لرؤساء الجمهورية السابقين ولرؤساء المجلس النيابي ورؤساء الحكومة والنواب السابقين، بحيث بات يتقاضى كل من تولى منصب رئاسة الجمهورية والنواب عند نهاية ولايته مخصصات وتعويضات قدرها 75 في المئة من مخصصات رئيس الجمهورية والنواب وتعويضاتهم. كذلك يتقاضى كل من سبق وانتخب نائباً النسبة التالية من المخصصات والتعويضات التي يتقاضاها النائب في الخدمة: 55 في المئة عن دورة نيابية كاملة، و65 في المئة عن دورتين نيابيتين، و75 في المئة عن ثلاث دورات نيابية وما فوق. وبحكم هذا القانون حظر الجمع بين المخصصات والتعويضات العائدة وبين تلك المترتبة في حال عودة المستفيد الى نفس المنصب. وفي حال وفاته يقتصر حق أسرته على نسبة 75 في المئة من المخصصات والتعويضات والمستحقة له (الزوجة أو الزوجات والأولاد الذكور الذين لم يتموا الثامنة عشرة من عمرهم، أو الأولاد الذكور الذين أتموا الثامنة عشرة العاجزون عن كسب العيش، والبنات العازبات أو الأرامل أو المطلقات).

تنقسِم الآراء بالنسبة إلى رواتب النواب السابقين، إذ لا يجوز التعميم بين نائب دخل البرلمان دورة واحدة وبين آخر قضى 20 عاماً مثلاً وخرج في سن التقاعد ولم يعُد بإمكانه أن يشغل مهنة أخرى. المشكلة أنه «لا يُمكن اختراع قانون لكل حالة في المجلس. لذا، يكمن الحلّ في أن يُبادر المقتدرون إلى التنازل عن رواتبهم»، يقول نائب شاب من رافضي خفض رواتب أعضاء البرلمان.

 

 

الرواتب بالأرقام

الرواتب الشهرية الحالية، بحسب جداول وزارة المالية هي على النحو الآتي:

رئيس الجمهورية: 18 مليوناً و750 ألف ليرة شهرياً.

رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء: 17 مليوناً و737 ألف ليرة شهرياً.

أما الوزير، فراتبه الشهري 12 مليوناً و937 ألف ليرة، والنائب 12 مليوناً و750 ألف ليرة شهرياً. وبالتالي يدفع اللبنانيون للرؤساء والنواب والوزراء الموجودين في الحكم رواتب سنوية بقيمة 24 ملياراً و892 مليون ليرة سنوياً. يضاف إلى هذا المبلغ تقاضي كل نائب 2.7 مليون ليرة شهرياً من صندوق تعاضد النواب (المموَّل من اشتراكات النواب بقيمة 100 ألف ليرة، وما بقي من موازنة الدولة)، بحسب دراسة نشرتها «الدولية للمعلومات». تضيف الدراسة نفسها أن رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة السابقين تصل مخصصاتهم وتعويضاتهم، مجتمعين، إلى نحو 30 مليار ليرة سنوياً. وبالتالي، يدفع اللبنانيون للنواب والرؤساء السابقين ولعائلات المتوفين منهم نحو 58 مليار ليرة سنوياً.