فوجىء أحد السفراء القدامى لدى زيارته لوزارة الخارجية والمغتربين أخيراً بـ «الفراغ» الذي تعاني منه الإدارة المركزية فيها، والذي ينعكس سلباً على أداء الديبلوماسية اللبنانية، فمن أصل 12 مديرية تتألّف منها الوزارة، ثمّة ستة سفراء فقط يرأسون المديريات، سيُحال اثنان منهم إلى التقاعد قريباً هما الأمين العام للوزارة السفير وفيق رحيمه ( شهر شباط 2017)، ومدير الشؤون السياسية والقنصلية السفير شربل وهبة ( شهر تموز 2017)
ويكشف أحد الديبلوماسيين العارفين في الخارجية أنّ الإجحاف يلحق بعدد كبير منهم، فيما ينعم القسم الآخر بالمناصب في الخارج والرواتب التي تفوق تلك التي يتقاضاها الباقون داخل الإدارة المركزية أضعاف الأضعاف. فعدم المساواة بين الديبلوماسيين الذين نجحوا في دورة واحدة ظاهر للعيان، إذ حظي بعضهم بترقيات ومناصب خارج البلاد ليس على أساس الكفاءة بل الوساطة والطائفية، ويواصلون سنوات خدمتهم حيث هم، متخطّين بذلك القانون الذي ينصّ على ضرورة عودتهم الى الإدارة المركزية بعد 7 سنوات، في حين يبقى القسم الآخر في الداخل يعاني الأمرّين. فثمّة من «خُمّروا» في الخارج، على حدّ قوله، مثل الديبلوماسيتين كارلا جزّار التي قضت 13 سنة في الخارج منها مدة طويلة في واشنطن (وهي ابنة شقيقة الوزير بطرس حرب)، وكارولين زيادة نائب المندوب الدائم لدى بعثة لبنان الدائمة في نيويورك منذ 9 سنوات (وهي قريبة النائب السابق كميل زيادة).
كذلك الأمر بالنسبة لبعض الديبلوماسيين من الطائفة السنيّة، فمن دورة العام 2003، على سبيل المثال، التي تضمّ 25 ديبلوماسياً، يبقى ثلاثة من الطائفة السنيّة من أصل خمسة في الخارج منذ سنوات هم: مازن كبّارة في لندن (11 سنة في الخارج)، وليد منقارة في باريس (11 سنة في الخارج)، وأحمد عرفة في جنيف (منذ 11 سنة، علماً أنّه لم يكن يُتقن اللغة الفرنسية التي يحتاجها عمله في سويسرا عندما عين فيها)، فيما عاد الديبلوماسيان الآخران بناء على طلبهما، الأول بسبب المرض، والثانية نظراً الى حصول خلاف شخصي مع رئيس البعثة، ما اقتضى اتخاذ مرسوم في مجلس الوزراء لإعادتهما الى لبنان، ولو لم يُطالبا بذلك لبقيا في الخارج في منصبيهما مثل الباقين.
من المسؤول عن وجود ديبلوماسيين أبناء ستّ، وآخرين أولاد جارية، إذا صحّ التعبير؟ لا تقع المسؤولية على وزير الخارجية والمغتربين الحالي جبران باسيل، يجيب المصدر الديبلوماسي، لكنّ هذا الوضع المتراكم منذ عهود الوزراء السابقين الذين صنّفوا بعض الديبلوماسيين بصفة مستشارين دون أن يستحقّوا ذلك، لا يؤمّن «عدّة الشغل» اللازمة للوزير باسيل وللديبلوماسية اللبنانية، بل على العكس يجعلها تعاني من النقص في الطاقات البشرية اللازمة. أمّا المعرقل لعدم حصول التشكيلات الديبلوماسية فهي التدخّلات والوساطات السياسية، فالمرجعيات التي يتبع لها الديبلوماسيون «المترفون»، تشترط تصنيفهم بدرجة سفراء، علماً أنّ هذا الأمر لا يحقّ لهم لأنّه يُخالف القانون الإداري.
والسؤال المطروح هنا: الى متى سيبقى الديبلوماسيون أصحاب الوساطة في الخارج، وكيف سيتمّ ضخّ دم جديد في الديبلوماسية اللبنانية ما داموا يتشبّثون بمراكزهم، ليس محبة بالوطن، ومن أجل خدمته، بل لمنافع شخصية ومالية، في انتظار تصنيفهم، الأمر الذي لا يحقّ لهم؟ لا بدّ من قلب الطاولة، يقول المصدر الديبلوماسي نفسه، لأنّ الوضع وصل الى حالٍ يُرثى لها، ولا يجوز السكوت بعد اليوم عن المحسوبيات الحاصلة، والإهمال الذي يطال ذوي الكفاءة والخبرة القابعين في الإدارة المركزية.
من هنا، فإنّه يحقّ لبعض المستشارين والسكرتيرين العاملين في الإدارة المركزية منذ سنوات والذين يتحمّلون أعباء ومهام الخارجية كافة، تولّي مناصب خارج البلاد، فقد آن الأوان لمغادرتهم لبنان.
أين الوزير باسيل من كلّ ذلك، وكيف سيتصرّف إزاء الغبن الذي يلحق ببعض الديبلوماسيين في الخارجية، يقول الديبلوماسي: ليس مستغربًا أن يعرقل التشكيلاتِ الديبلوماسية من يضع المصلحة الشخصية فوق كل اعتبار ولا يقيم للمصلحة الوطنية وزنًا ولا يحسب لها حسابًا فـ «المحاصرة» السياسية للوزير باسيل تمنعه من إقرار التشكيلات، لأن الحكومة لا تطلق يده في هذا الموضوع.
المطلوب اليوم إذاً، على ما يُضيف المصدر نفسه، إنصاف السلك الديبلوماسي اللبناني واعتماد معايير قانونية وموضوعية بعيدًا عن المحسوبيات والحسابات الشخصية والطائفية التي تضر بالوطن أشد ضرر.
هذا ودخل الإدارة المركزية في وزارة الخارجية بالأمس 44 ديبلوماسياً جديداً من الفائزين في الدورة الأخيرة لمجلس الخدمة المدنية سيؤدون قَسَم اليمين الأسبوع المقبل. ويريد باسيل من هذه الخطوة ضخّ دمّ جديد في الوزارة نظراً لحاجته الى طاقات تُواكب عمله في الداخل والخارج. وتمّ تخصيص برنامج متكامل لتدريب هؤلاء، علماً أنّ الوزارة تفتقر الى أبسط المتطلّبات لاستيعابهم، من الأمور اللوجيستية إلى التقنية، إذ ليس من مكاتب شاغرة لهم، وليس من أجهزة كومبيوتر كافية، وما إلى ذلك من المعوقات التي قد تبرز خلال الأسابيع اللاحقة