Site icon IMLebanon

محطة التكرير في إيعات تُلوّث المنطقة… ومشغّلوها فاسدون

 

من يرفع الضرر اللاحق بمنطقة دير الأحمر والقرى المحيطة بها جرّاء فساد وتوقّف محطة التكرير في بلدة إيعات عن العمل؟ ومن يتحمّل مسؤولية الآثار الصحّية والبيئية والفاتورة التي تنتج عنها في ظلّ غياب المعنيين من وزارات ومسؤولين؟

 

عودٌ على بدء وأشبه بقصة إبريق الزيت. وما أكثر القضايا في لبنان التي تبقى من دون معالجة ومنها قضية محطة تكرير المياه في بلدة إيعات وقد أنشئت عام 2008 بتمويلٍ دولي لتعالج مياه الصرف الصحّي لمدينة بعلبك وعدد من القرى والبلدات المجاورة، وفيما كان إنشاؤها حلّاً مستداماً وطويل الأمد للمياه الآسنة في هذه البلدات، صار مع الوقت أزمة تعاني منها المنطقة وخصوصاً بلدات دير الأحمر، شليفا، بتدعي، حيث تتّسع دائرة الأضرار البيئية والصحّية الناتجة عن المياه التي تخرج من المحطة منذ أكثر من عشر سنوات ولا من يرفع هذا الضرر، ورغم الإعتصامات المتكرّرة واللقاءات ورفع الصوت لعلّ أحداً يسمع معاناة الأهالي، إلا أنّ الإهمال وسّد الآذان والتشبّث بالرأي تزيد من وقع الكارثة.

 

تحوّلت محطة التكرير مصدراً للروائح الكريهة التي تملأ سهل دير الأحمر وإيعات، بعد تحويلها كافة أنواع الفضلات الطبّية والزيوت وما يخرج من الملاحم وغيرها بالإضافة الى مياه الصرف الصحّي ورمي الحيوانات والجيف على مجرى السيل الذي يشكّل مصبّاً للمياه التي تخرج من المحطة بعد تكريرها، وفيما كانت قدرتها التشغيلية لا تتخطّى 9000 متر مكعّب يدخل إليها ما يفوق 17 ألف متر مكعّب وكما تدخل تخرج من دون معالجة، ما يطرح السؤال عن جدوى إقامتها، والأموال التي صرفت لتنفيذها، والجهة المشغّلة، ومن يقف وراء الإصرار على أن تبقى كما هي عليه.

 

وفي هذا السياق، ذكرت مصادر متابعة للملف لـ»نداء الوطن» أنّ الموضوع «أثير قديماً والناس شبعوا كلاماً من دون الوصول الى نتيجة، والمشكلة اليوم ليست فقط في إيعات بل في كلّ محطات التكرير، وهو ملفّ فساد بالدرجة الأولى. فالنفقات التشغيلية تُدفع من دون أن يعمل بعض المحطات، ومنذ عام 1998 حين تمّ السير بمشروع المحطة لم تكن بلدية دير الأحمر موافقة عليه لكنّ المشروع دخل حيّز التنفيذ، وفي حين أنّ المحطة كانت لاستيعاب 9000 متر مكعّب من مدينة بعلبك وضواحيها وضمنها إيعات، شُبكت قرى أخرى عليها ما فاق قدرتها الإستيعابية حيث أصبحت المياه تخرج منها كما دخلت، فالمواد الكيميائية المستعملة للتكرير لم تستعمل بشكل صحيح، كذلك الأعطال التقنية والميكانيكية في المحطة فاقمت حجم المشكلة».

 

وأضافت المصادر أنه «خلال العام 2019 كلّفت وزارة الطاقة شركات لدراسة أحوال 3 محطات هي: إيعات، دير الأحمر، اليمونة، وجاء التقرير بأنّ المحطات غير صالحة للعمل وتحتاج للهدم وإعادة إعمار من جديد من أجل استيعاب الكمّيات المطلوبة، لأنّ طريقة بنائها والآلات داخلها قديمة، وبأنّ المياه التي تخرج من المحطة في إيعات لا تصلح لري الأشجار غير المثمرة، وكما تدخل تخرج، ولا تعالج، فالمحطّة مخصّصة لمياه الصرف الصحّي فيما تدخلها زيوت وفضلات ومواد صلبة، ومع الوقت تحوّل مجرى السيل الذي تصبّ فيه مياه المحطة بعد معالجتها مستنقعاً للمياه الآسنة بعدما أقيم ساتر ترابي عند حدود بلدة الكنيسة كي لا تصلها المياه وتعاني ما تعانيه دير الأحمر، بحيث تحوّل أكثر من 90 ألف متر من الأرض مستنقعاً غير صالح للزراعة، وتحتاج أشهراً لمعالجتها، إضافة الى الضرر الذي لحق بالمياه الجوفية، ومحيط المجرى وخصوصاً مدرسة سيدة البرج التي تعاني عن المنطقة بأكملها كونها تقع على حوض المجرى ويتعرّض الكادر التعليمي والتلاميذ لتلك الروائح يومياً، وتشهد حالات غياب وتفشّي أمراض، وهم ما قبل «كورونا» يرتدون الكمّامات للتخفيف من تلك الروائح، فضلاً عن تضرّر عناصر الجيش اللبناني من الرائحة عند حاجز منطقة إجر الحرف.

 

وتابعت المصادر أنّه «خلال فصل الصيف ينشئ بعض المزارعين برك مياه تتمّ تعبئتها من النهر لريّ المزروعات بها، ما يسبّب تلوث الخضار التي تباع في السوق»، وأردفت «أنّ المعالجات كانت غائبة طوال المرحلة الماضية وأقلّه بالحدّ الأدنى تنظيف النهر من الرواسب وتعزيله، وزرعه بالشجر والقصب، كذلك استكمال سقف المجرى بعد مدّه بالقساطل وهو مسقوف من إيعات حتى سهل شليفا، الأمر الذي يخفّف من الضرر قدر الإمكان. ومن ضمن الحلول إنشاء حفرة بعمق ألف متر تصبّ المياه فيها، أو تكرير المياه بشكل صحيح وبيعها للمزارعين للريّ وهو ما كان مخطّطاً له منذ إنشاء المحطة لكنّه فشل».

 

وختمت المصادر بـ»أنّ التلوث ضرب مناطق بأمّها وأبيها، وعلى المعنيين ومنهم وزارة الطاقة أن يبادروا إلى الحلول الجدّية، وفعل ما يلزم لتخفيف الروائح والتلوث كبُرك ترقيد للمياه وهي من ضمن الخطّة الأساسية للمحطة، فضلاً عن المعالجة الجذرية للأرض التي تضرّرت على مدار 14 عاماً، بحيث يحقّ لأصحابها رفع دعوى جزائية، لتبقى قضية المدرسة والطلاب والضرر الذي يلحقهم أساساً يجب معالجته بشكل سريع».

 

رئيس بلدية إيعات

 

رئيس بلدية إيعات حسين عبد الساتر، المتابع للملفّ منذ توليه رئاسة المجلس البلدي، أوضح لـ»نداء الوطن» أنّ «المحطة من أساسها لم تنفّذ بطريقة صحيحة ولم تعمل بسبب سوء الإدارة والفشل والمتعهّدين والآلات القديمة، وهي جهّزت للنفايات المنزلية وليس للنفايات الصناعية، وتدخلها نفايات من المسالخ ومعامل الحليب ومعاصر الزيتون وغيرها، وجهّزت لـ 9000 متر مكعّب في حين تدخلها 17000 كل يوم».

 

وأضاف: «عملنا على الحلّ بشكل جدّي لكن للأسف حين نصل للمراحل الأخيرة نتوقّف بسبب تغيّر الحكومات، وكان هناك تدخّل للوكالة الأميركية للتنمية لإصلاح المحطة ووصلت لمراحل متقدّمة من التلزيم ثم توقفت لأسباب مجهولة»، مشيراً إلى أنّ محطة إيعات «هي الوحيدة بين محطات لبنان التي تصبّ في مجرى مياه جاف، وهذا المجرى يمرّ بعدّة قرى مسبّباً الضرر للمدرسة والأراضي والمياه الجوفية، والحلول اليوم تدور حول المياه التي تخرج منها وتكريرها لتصبح صالحة للريّ الزراعي».

 

وحول الكلفة التشغيلية للمحطة أوضح «أنّ الدولة تلزّمها لمشغّلين فاسدين وليسوا أهل اختصاص، وهي متوقفة منذ سنتين وأكثر وكما تدخل المياه إليها تخرج منها بسبب الأعطال وعدم تشغيلها».