نأمل ألاّ يُقدم المسؤولون على «الخطوة الناقصة». كتبنا، أمس، وأسهبنا في الكلام على أنّ السلطة تكون قد سلكت الطريق الخطأ في بحثها عن وفر مالي يسهم في سدّ جزء (وإنّ ضئيلاً) من خواء الخزانة العامّة. واليوم نود أن نؤكّد على أن المناخ العام في البلد لا يتسع لترف هكذا تجربة ستكون استفزازية في وقت قد بلغ اللبناني حدود الكفر جرّاء الأزمات المتعاقبة وفي طليعتها الأزمة المعيشية الخانقة في وقت تعجز المرتبات والتعويضات عن تغطية المتطلبات الحياتية الملحّة بعد أيام معدودة من الشهر.
فتحت الدولة، في عهد الرئيس ميشال عون، ملف مكافحة الفساد. وهذا منعطف مهم، بعدما استشرى الفساد على عينك يا مواطن.
وشهدنا طبقة من الطفيليات التي نمت نمواً مشهوداً على حساب المبادئ والقيم والأخلاق… وبالذات على حساب المواطن اللبناني وحقه في الحياة الحرة الكريمة. طبعاً لا يدخل في هذه الطبقة أولئك الذين لاقوا النجاح بالجهد والمثابرة في مختلف حقول العمل والإنتاج والاستثمار. وهذا حق مشروع. أمّا الذين امتلأت جيوبهم وصناديقهم وتضاعفت مدخراتهم بالمال الحرام الذي نهبوه بأي وسيلة من وسائل الفساد فهؤلاء هم المطلوب أن تتصدّى لهم آلية مكافحة الفساد، وليس في الأسلوب الأسهل بإقتطاع جزء (مهما كان يسيراً) من حقوق المواطنين وفي طليعتهم موظفو القطاع العام والمتعاقدون وبالذات المتقاعدون.
إن بوادر الحراك التي شهدناها أخيراً، في الشارع لافتة ويجدر التوقف عندها بقدر ما تحمل من دلائل ومؤشرات وإنذارات فليس بالأمر العادي أو المألوف أن نرى ضباطاً كباراً (متقاعدين) ينزلون الى الشارع للمطالبة فقط بالحفاظ على حقهم في بدل تقاعدهم كاملاً. وليس بالأمر البسيط أن نرى قضاة في حالٍ مماثلة.
أليس هذا دليلاً على ما تخبئه الأيام؟!
فماذا لو فلت الملق ونزل عشرات الآلاف الى الشارع من موظفي القطاع العام الحاليين والمتقاعدين؟
ثم نسأل: لماذا أراد معالي وزير الخارجية والمغتربين المهندس جبران باسيل أن يتصدر الواجهة الصعبة؟ لماذا ندب نفسه لهذه المهمة الشعبية، وربّـما المستحيلة؟
الإصلاح؟ أجل!
لا بد منه؟ أجل!
ولكن كيف؟ وبأي وسيلة؟ وعلى أي قاعدة؟
مفهوم ومعلوم أن الإصلاح يطاول الفاسدين وسائر الذين أثروا على حساب الشعب، من أجل استرداد ما اقتنصوه من حقوق الناس. ولكن الإصلاح لا يترك هؤلاء الفاسدين ليستهدف أولئك المغلوبين على أمرهم الذين «بالكاد» يتمكنون من القيام بأود الحياة في أبسط معانيه.
نعم للإصلاح، ولا عريضة لاستهداف الناس الكادحين. الذين يغالبون أقسى الظروف والعقبات كل يوم.