ينظر المجتمع الدولي الى عدد كبير من المؤسسات العامة في لبنان على اساس انها مصدر هدر للاموال العامة. ومن المتوقع ان ينتقد المانحون في مؤتمر «سيدر» تخصيص الحكومة موازنات سنوية لهذه المؤسسات، لذلك عمدت الحكومة الى استباق هذا الأمر عبر إدراج بند إصلاحي في موازنة 2018 يتعلّق بنيّتها إغلاق تلك المؤسسات. ولكن هل ستعمد الدولة فعلاً الى إثارة نقمة المجتمع بتسريح موظفين، قبل الانتخابات النيابية؟
تحت ضغط انعقاد المؤتمرات الدولية لدعم لبنان والتي تعوّل عليها الحكومة لاعادة وضع لبنان على السكة السليمة ومنعه من الانحدار أكثر نحو الإفلاس المالي، أقرّ مجلس الوزراء أمس الاول موازنة 2018 وأحالها الى مجلس النواب لاقرارها قبل نهاية الشهر الحالي، لضمان مشاركة الوفد اللبناني في مؤتمر «سيدر» في 6 نيسان المقبل، وبحوزته موازنة 2018 هي بمثابة دليل على عزم لبنان في الشروع بجملة من الاصلاحات المالية.
ضمن البنود الاصلاحية التي أوردتها الحكومة في موازنة 2018، هناك مادة بقانون الموازنة تلزم الحكومة بالعمل على ترشيق القطاع العام وإقفال وتسوية أوضاع المؤسسات العامة التي لم يعد لها دور، والتي أحصاها وزير المالية علي حسن خليل بـ 84 مؤسسة عامة «قد آن الأوان لإعادة النظر بها»، قائلا ان «بعض هذه المؤسسات نستطيع الاستغناء عنها، وهناك مؤسسات نستطيع دمجها بمؤسسات أخرى أو إدارات عامة أخرى، مع الحفاظ دائما على مصالح وحقوق الموظفين».
في هذا الاطار، رأى الباحث في المؤسسة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين «ان هذا النوع من الاصلاحات هو مجرّد وعود لتوجيه رسائل الى الخارج بأننا نقوم باصلاح مالي، كما وانه كلام نبدأ بسماعه مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقررة في أيار، لأن نظام تقاسم السلطة قائم في لبنان على أسس طائفية، مما يجعل من الصعب إغلاق أي من المؤسسات العامة التابعة للطوائف وتسريح عدد كبير من الموظفين المحسوبين على السياسيين والداعمين لهم».
وقال لـ«الجمهورية» إن كل مؤسسة او هيئة عامة لها مدير عام وموظفون وبالتالي فإن إلغاءها يعني انتهاك حقوق الطوائف التي ينتمي إليها الموظفون.
وذكّر ان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في العام 2009 اعلنت أيضا عن نيّتها إلغاء المؤسسات العامة غير الفعالة أو دمجها بمؤسسات اخرى، «إلا اننا لم نرَ شيئاً من ذلك لأن كلّ مؤسسة محسوبة على طائفة معيّنة».
وقال شمس الدين ان المؤسسات العامة أُنشأت بموجب المرسوم 4517 في العام 1972، وهي تخضع لوصاية الوزارات إلا ان صلاحيتها أهمّ من الوزير والوزارة بحدّ ذاتها. معتبرا ان إنشاء المؤسسات العامة بمثابة طعن لجهاز الدولة، وبالتالي يجب تعديل القانون وحصر الصلاحيات ضمن الوزارات وعدم إنشاء مؤسسات عامة.
وفيما استبعد ان تسعى أي من الحكومات الحالية أو المستقبلية الى إغلاق أي مؤسسة حكومية، اشار شمس الدين الى ان بعض الهيئات أغلق أبوابه فقط بعد إحالة آخر موظف إلى التقاعد، كمكتب الحرير الذي كان يشرف على صناعة الحرير التي توقفت أنشطتها بالكامل في عام 1975 عندما اندلعت الحرب الأهلية، لكنه لم يقفل بشكل نهائي إلا في عام 2000.
في المقابل، لفت شمس الدين الى ان عدداً كبيراً من الهيئات الحكومية، تخصص له الدولة موازنات سنوية، علماً ان ليس له أي مهام تُذكر وهو مجرّد هياكل.
وأعطى أمثلة عن بعض تلك المؤسسات، كالمؤسسة العامة لترتيب الضاحية الجنوبية الغربية لبيروت «إليسار» التي توقف عملها في العام 1997، إلا أن المؤسسة احتفظت بموازنتها السنوية البالغة 3.4 مليار ليرة ونحو 40 موظفا.
كذلك لفت الى ان الحكومة تخصص لمصلحة سكك الحديد والنقل المشترك اللبنانية التي لا يملك موظفوها مهام تذكر، ميزانية سنوية قدرها 13 مليار ليرة لبنانية، في حين يعمل في إدارة البريد 60 موظفا ولها ميزانية سنوية قدرها 6.8 مليار ليرة رغم أنها أوقفت كل أنشطتها في عام 1998 عندما جرت خصخصة خدمات البريد، لكنها لا تزال تصمم الطوابع البريدية.
كما عدّد شمس الدين بعض المؤسسات غير الفعالة منها: المؤسسة العامة للاسواق الاستهلاكية، المجلس اللبناني للاعتماد، مكتب الانتاج الحيواني، مؤسسات المياه، مؤسسة المحفوظات الوطنية، مصلحة معرض رشيد كرامي الدولي…