تحدث الرئيس سعد الحريري في المؤتمر الاستثماري السعودي عن الفرصة الكبيرة أمام الاقتصاد اللبناني من خلال مؤتمر سيدر، وأضاف أنّ «سيدر» سيقدم للبنان 11 ملياراً ونصف مليار دولار لتنفيذ مشاريع في البنى التحتية (المياه والطرقات) ومشاريع الكهرباء وسائر المشاريع المنتجة.
ولكن، وأتوقف عند كلمة الاستدراك ولكن… ولكن بضرورة الاصلاح، وهنا بيت القصيد.
صحيح أنّ المال مهم جداً، والحصول عليه مهم، ولكن السؤال الكبير الذي لا إجابة عليه حقيقية ودقيقة، حتى الآن هو: من سيقوم بالإصلاح؟
وكي لا نتجنى على أحد، لدينا بعض الأمثلة علّها تكون درساً نتعلم منه كيف يمكن أن نعود الى بناء المؤسّسات والشركات والإدارات العامة بشكل صحيح، مع الأخذ في الاعتبار أنّ هذا البلد تأكله الطائفية يومياً وفي المؤسّسات كلها في القطاعين العام والخاص.
نبدأ بشركة طيران الشرق الأوسط التي كانت تملك في مطلع الحرب الأهلية (1975) نحو 20 طائرة، وكان بينها طائرات «جمبو»، وبسبب الحرب وتردّي الأوضاع الاقتصادية وتوقف الشركة في مرات عديدة عن العمل، وقعت تحت صعوبات مالية كبيرة، إذ في السنوات الأخيرة (ما قبل أن توكل إدارتها الى محمد الحوت) كان فيها نحو 5 الى 6 آلاف موظف، أكثر من نصف العدد كان توظيفاً سياسياً وطائفياً بالطبع.
وعندما تسلم الحوت الشركة كانت قد باعت معظم طائراتها، وكانت الطائرات قديمة وكلفة صيانتها ستكون كبيرة، فبدأت الشركة باستئجار طائرات، ثم استغنت عن نصف الموظفين بناء على دراسة الجدوى الاقتصادية.
وبالرغم من المعارضات الشديدة كانت مواقف الرؤساء، خصوصاً الرئيس نبيه بري الذي تميّز بموقفه، استطاع الحوت خفض الموظفين الى النصف، وفي سنوات قليلة حقق إنجازين: الأول صارت الشركة تربح 100 مليون دولار بعدما كانت تخسر 100 مليون.
الى ذلك، بات لدى الشركة 20 طائرة ملكاً لها، واشترت 10 طائرات أخرى تتسلمها خلال سنتين.
هناك مثل آخر، ولا نقصد الإفتراء أو الهجوم على الوكالة الوطنية للإعلام وفيها أحبابنا وأصدقاؤنا وزملاؤنا… ولكننا نتحدث بتجرّد، اذ كان عدد ملفات العاملين فيها قد وصل في أواخر التسعينات الى 2000… ولكن أكثر من دراسة تقول إنه بخمسين موظفاً يمكن تأدية الخدمة بتقنيات عالية وإنتاجية أكيدة… والفرق كبير جداً بين الرقمين، ومعلوم أنّ وكالات أنباء خاصة ناجحة جداً بعدد قليل من الموظفين، فكم يكون الموفر هنا لمصلحة الخزانة العامة.
المثال الثالث هو شركة الكهرباء، في جميع أنحاء العالم شركات الكهرباء تربح وهذا طبيعي فالشركات في العالم قاطبة تتوخى الربح، ولا نعلم لماذا تتمسّك الدولة بهذا القطاع، ولماذا لا يتحوّل الى قطاع خاص؟ أو مؤسسة مشتركة بين القطاعين، فما المانع؟ وتكون ملكية أكثرية الاسهم للمواطنين.
يتحدّث الرئيس الحريري دائماً عن أنّ عجز الكهرباء يكلف الخزينة نحو مليوني دولار.
والأكيد أنّ تحويلها الى شركة خاصة سيوفر التيار الكهربائي 24 على 24، وتصبح الجباية أفضل إذا اعتمدت البطاقة… فلا يصل التيار إلاّ إذا كانت البطاقة مليئة، ولا نعود في حاجة الى الجباية… كما هي الحال في بطاقات «التشريج» للهاتف الخلوي، وفي المياه يمكن اعتماد الاسلوب ذاته.
ونعود الى الموضوع الأساس: هناك مشكلة بنيوية حقيقية هي إعادة هيكلة التوظيف في الإدارات العامة كلها، فلا يجوز إذا كانت الدولة تستوعب مئة ألف موظف أن يكون فيها 400 ألف!
وأيضاً فإنّ إعادة الهيكلة ستحوّل الدولة من فاشلة الى ناجحة ومنتجة، خصوصاً أننا مقبلون على مصدر دخل مهم من النفط والغاز.
فهل يتحقق هذا الحلم؟
نجيب: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
هذه بلادنا، هذه أرضنا، هذا وطننا، وسنظل نتصدّى لهذه المشاكل الى أن نصل مع الدولة الى شاطئ الأمان.
عوني الكعكي