اذا كانت السلطة تعتقد بأن العدد القليل نسبياً للمتظاهرين الذين نزلوا الأحد الى ساحة الشهداء يجعلها تزهو بالانتصار، فهي مخطئة تماماً.
فتراجع عدد المحتجين و”التهذيب” الذي اصاب لافتاتهم لم يخفضا صوت الوجع المنطلق من حناجر الفقراء وبيوت ذوي الدخل المحدود وكل قطاعات الانتاج التي تئن من عمق الأزمة الاقتصادية وشح الدولار في الأسواق.
يمكن للسلطة ان تسجل نجاحاً موقتاً جراء التعاميم القضائية التهديدية التي تربط بين رفض الواقع وبين ايذاء الوضع المالي، وتترك مجالاً كبيراً للالتباس، فيصبح المحتج من أجل قوت يومه ماساً بالكرامات، والمُطالب بوقف الهدر متآمراً في انتظار تلفيق تهمة تصنعها المطابخ السوداء.
لكن ذاك النجاح باهت وسخيف. فهو مفضوح أمام كل الناس، وما كان يصح زمن الوصاية لا يكرره الا كل فاشل في تحليل حركة المجتمعات وفي رصد كمية اليأس التي يختزنها شباب لبنان.
بالطبع ممكن للسلطة الاتكاء على عامل بنيوي ومهم وهو الانقسام الطائفي وقوة الاستتباع، لكن نموذج العراق وما حصل فيه في الأيام الأخيرة يجب ان يشكلا درساً، إذ لا يمكن الركون الى جمود حركة التغيير والقدرة الدائمة على شلها بالرشوة أو باللعب على التناقضات. إلا اذا كانت بعض الرؤوس السكرانة ترى في سقوط أكثر من 100 قتيل و 6 آلاف جريح في العراق في ستة ايام ثمناً عادياً اذا كان هناك Raison d’état أو ضرورات تبيح المحظورات.
ولأن الأمور لن تستقيم حتماً بأسلوب الردع والتفكير بكيفية الانقضاض على المعترضين في الشارع أو في وسائل الاعلام، فإن أي تحرك داخلي جدي نحو الاصلاح يجب أن يلقى التشجيع من كل حريص على الدولة والاستقرار. أما الإتجاه نحو الخارج لطلب المساعدات فيقع موقعاً حسناً خصوصاً اذا أكد الخارج انه سيراقبنا بسبب فشلنا السابق وتنكرنا للمقرضين ولأهل العطاء.
يعرف المتظاهرون مهما كان عددهم ان الدعوة الى اسقاط النظام أو العهد أو الحكومة أمر خيالي وبعيد المنال او بالأحرى مجرد شعار. لكنهم في دعوتهم تلك يريدون شيئاً واحداً الآن، وهو وقف خسارة قدرتهم الشرائية واقفال المؤسسات وتسريح العمال. وهو مطلب يجب ألا يخيف أهل السلطة بل يفترض ان يعتبروه مجرد انذار، لأن ما سوف يخيفهم يوماً ما قد لا يكون في الحسبان.