ربما تكون مقارنات بين تجارب اصلاحية قديمة عرفتها الدولة اللبنانية وأخرى حديثة، “غير مطابقة” تماماً بلغة الحملة الواسعة لسلامة الغذاء التي يخوض غمارها وزير الصحة وائل ابو فاعور مع تبدل الظروف والأنماط والوسائل. ومع ذلك، لا نرى ضيرا من الإضاءة على جوانب بالغة الإيجابية، في الجديد الذي تحمله هذه الحملة في اطلاق نَفَس إصلاحي وسط الاختناق اللبناني.
أيا يكن ما يثار على جوانب هذه الحملة في تحميل صاحبها انه يوظفها لمصلحة حزبه وزعيمه فهو يسقط رأسا امام أهوال الحقائق التي تظهر لبنان بلدا موبوءاً الى ما تحت التحت. ومهما تحلى الوزير بلباقة عدم تحميل الأسلاف تبعة انفجار كارثي لن يتمكن من طمس المسؤوليات الموصولة عن الفساد، سواء في ملف الصحة أو أي ملف آخر.
بحسب الوزير أبو فاعور انه اقدم على ما لم يقدم عليه أي من أسلافه في هذه الوزارة وعسى ان تكون “رجله جرارة” من دون ان نغفل حقيقة ان ثمة وزراء ولو محصورين سابقا وحاليا اتصفوا بنظافة الكف وبالاتجاهات الإصلاحية. لكن ما وفر لوزير الصحة هذا التوهج هو انه أتقن تماماً ملفه وبرع في إدارة حملته، وهو الملف الاشد اثارة لاهتمام الناس، كونه يتصل بأخطر ما يهدد الصحة والحياة.
ثمة في السوابق المشرقة ما يثبت ان لا إصلاح من دون إصلاحيين متجرئين فعلا في كل زمن وحقبة. يحضرنا في هذا المجال ذكرى كبار أقاموا تحولات مشهودة في مسيرات إصلاحية. لم يكن في زمن هؤلاء الا الصحافة المكتوبة ولم تكن ثورة الاعلام التلفزيوني والإلكتروني قد اتسعت ومع ذلك أقاموا الدنيا ولم يقعدوها. في زمن الجمهورية الاولى أشعل عميد “النهار” غسان تويني حين تولى حقيبة التربية ثورة طالبية في المئة يوم التي أمضاها فغدا “ملهم ثورة” شبابية. وفي تلك الجمهورية ايضا اقتلع أميل بيطار من وزارة الصحة لانه ناطح مافيات الدواء. ومثله ومثلهما فعل نجيب ابو حيدر في إصلاحات تربوية جريئة.وفي الطلائع الاولية المبكرة لزمن الطائف الحالي صار جورج افرام الضحية الإصلاحية الاولى باقتلاعه من الحكومة حين وضع مشروعا طليعيا متقدما للكهرباء كان من شأنه لو ابصر النور ان يعمم الطاقة الكهربائية باكلاف لا تقاس بمحدوديتها امام أفدح مديونية على الخزينة الآن وسط هذا الواقع الكارثي في ازمة الكهرباء.
قد تكون في المقارنة هذه مغالاة من جوانب عدة لا سبيل لذكرها الآن لكنها لا تجانب “المواصفات” على الأقل في قصة الصراع المزمن بين الفساد والاصلاح الذي يتضح اطرادا انه احد العوامل الساحقة التي تطبق على أنفاس اللبنانيين قديما وحديثا.