لبنان يعيش ازمة تشتد يومًا بعد يوم منذ اقرار حكومة حسان دياب الامتناع عن تسديد فائدة الدين المستحق في آذار عام 2020 على دين اليوروبوندز والذي كان البعض المستحق عن هذا الدين حتى تاريخ توقف التسديد يدفع في اوقاته وكان الاحتياطي لدى مصرف لبنان من العملات الاجنبية يتجاوز ال37 مليار دولار وكان هذا الوضع مشابهًا لنسبة الدين الاميركي وان كانت نسبة التسديد للدين اللبناني تفوق ما تحقق للفترة ذاتها في الولايات المتحدة.
نشهد اليوم تصاعد المخاوف حول مستقبل الدولار واستمرار ارتفاع الفوائد واعلان وزير المال في الولايات المتحدة ان زيادة الدين على الاقل بما يساوي 2-3 تريليون دولار على الخزينة والتزاماتها سيؤدي الى عجز الحكومة الاميركية عن تسديد مستحقات سنداتها في الأوقات المتعاقد عليها.
ان الدولار يستمر في دور عملة اختزان احتياطي غالبية البلدان التي تعتمد نظام اقتصادي حر، وتشكل نسبة تسديد المستحقات بالدولار ال60% من قيمة التجارة العالمية، ونحن نشاهد اليوم ان حاجات حرب اوكرانيا والمساعدات المطلوبة تتجاوز رغبة المشرعين في دول السوق الاوروبية كما في الولايات المتحدة…ومع ذلك الخوف المتعاظم ان لا تعادل معدلات النمو الارقام المستهدفة اصلاً من قبل الهيئات الناظمة ودول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة وبالتأكيد بريطانيا… وللتذكير فقط كانت بريطانيا الدولة المسيطرة على الاقتصاد العالمي والجنيه الاسترليني اقوى عملة حتى ازمة عام 1929 المالية العالمية حين تخلت بريطانيا عن التزام تغطية ديونها بالذهب وهذا ما فعلته الادارة الاميركية بقيادة نيكسون وتحريض كيسنجر عام 1971.
خلال الفترة التعيسة التي يواجهها لبنان واللبنانيون العاديون، ومع تمتع البلد بادخار ذهبي تتجاوز قيمته اليوم ال20 مليار دولار تشتد الازمة الاقتصادية على ظروف المواطنين العاديين ونسبة كبيرة من الميسورين ومن اصحاب الكفاءات العلمية يتوجهون الى الهجرة وعدد السكان اللبنانيين المقيمين في لبنان خسر 300 الف لبناني هاجروا مع اولادهم وادخاراتهم ولم يتصد الحكم لهذه الهجرة. فلبنان منذ الستينات يشهد استقطاب كفاءات لبنانية يزيد عددها سنويًا، وفي الوقت ذاته تؤدي الهجرة السورية الى تزايد اعداد السوريين العاملين في مجالات متعددة اهمها الزراعة وتسويق الانتاج الزراعي، والامر المخيف ان ولادات السوريين في لبنان تفوق في العدد زيادات اعداد اللبنانيين.
ان هذه الهجرة وتزايدها للسوريين من غير المتوقع انحسارها. فسوريا فقدت كيان الدولة المستقلة ولبنان عبر توفيره امكانيات اقامة مخيمات للمهاجرين السوريين وتامين الكهرباء والتعليم والمياه لكتلة السوريين المقيمين في مساحات ملحوظة من الاراضي اللبنانية، والذين تبلغ اكلاف ايوائهم 1.5 مليار دولار سنويًا، يسهمون في تعميق الازمة القادمة ودمج اقتصاديات البلدين ببعضهما والنتيجة اضمحلال دور اللبنانيين في الاقتصاد اللبناني وتجاوز دور السوريين اللبنانيين في مجريات الاقتصاد اليومي.
الصورة المخيفة تتعزز يومًا بعد يوم وتستجر مطالبة رصيد عدد سكان سوريا بتقاسم المنافع مع لبنان وخاصة اذا اقر لبنان قانون ضبط التحاويل من والى لبنان في تمكين السوريين من استغلال فرصة سوريا على استقبال التحويلات الاجنبية المسيسة ومن ثم استعمال نسبة منها للمضاربة على البنوك اللبنانية العاجزة عن تغطية حسابات زبائنها والتي تحولت الى شركات صرف واجراء بعض التحويلات. هذه التطورات السيئة للبنان واهله والذي يفقد نسبة 5-7% من عدد سكانه سنويًا. والعجز عن مجابهة هذا التحدي الاقتصادي والكوني يعود الى تولج ثلاثة زعماء سياسيين تسيير شؤون الدولة او بالاحرى تضخيم نتائج تحكم الزعماء الثلاثة الذي نشرح توجهاتهم في قرارات مؤثرة على صورة لبنان الدولية وقدراته.
الرئيس ميشال عون يتهم بعض اصحاب الثروات بتحقيق منافع كبرى من السياسات المتبعة وهو حين غادر لبنان صيف 1990 اجرى تحويلات لعائلته اي بناته الثلاثة وزوجته وشقيقها بلغت 25 مليون دولار وحمل معه شيك مصرفي باسمه فاق ال30 مليون دولار، وهو اعلن حينما ظهرت المعلومات الموثقة عن هذه السياسات انه سيوفرها للدولة اللبنانية، فماذا جرى؟ لم يلتزم ميشال عون بوعده بل زاد من ثروته احتفاظه بالتعويض السنوي المقرر للرئاسة بقيمة مليوني دولار سنويًا، وبالتالي اصبح المبلغ المستحق برمته على الاقل متجاوزًا ال70 مليون دولار.
القطب الثاني المتهم من وزارة المالية الاميركية بحيازته عمولات عن استيراد مشتقات النفط مباشرة وعبر الوزراء الذين اختارهم لشؤون الطاقة بحيث اصبح عجز وزارة الطاقة مع احتساب فائدة على اصل العجز حوالى 65% من الدين العام. ومعلوم ان وزارة المال الاميركية كانت اتهمت عضو مجلس ادارة البنك اللبناني الكندي بتبييض الاموال وفرضت على البنك غرامة بلغت 100 مليون دولار دفعها المصرف للحكومة الاميركية من امواله الخاصة واموال المودعين ولحسن الحظ نجح مكتب محاماة لبناني
في مقاضاة وزارة المال الاميركية فاستعيد المبلغ مع فوائده. فلماذا لا يلجأ جبران باسيل لوسيلة الاسترجاع هذه طالما هو بريء من التهمة؟
اخيرًا السؤال الاكبر. حينما اقر لبنان ادخال خدمات الهاتف الخليوي افسح مجال توزيع الارقام على طالبي الخدمة وقامت شركة الميقاتي بهذا الدور فحصلت على 500 دولار عن كل رقم وبلغ حجم التحويلات ما بين 300 و400 مليون دولار والتزم آل ميقاتي ارجاع هذه المبالغ بعد بدء الخدمات الخليوية، وحتى تاريخه لم تنجز اي محاسبة على هذه الارقام. وما يزيد الطين بلة ان الرئيس ميقاتي اليوم محاط بمستشارين مع نائب رئيس الحكومة لا يفقهوا بعلم الاقتصاد يستلذون بالمجاهرة باقتطاع النسبة الاكبر من ودائع الناس وجنى عمرهم اكانوا من صغار او كبار المودعين الذين يشكلون غالبية عائلات الشعب اللبناني ومعهم عدد لا يستهان به من المستثمرين العرب والاجانب.
السياسيون الثلاثة من كبار المسببين في الازمة. فعسى نجد جوابًا.
مروان اسكندر