بات واضحاً أن الجلسات التشريعية التي تعقد في المجلس النيابي، إضافة إلى اللجان النيابية المشتركة، وصولاً إلى اللقاءات الوزارية التي يترأسها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بمعظمها تصبّ في إطار ضرورة إطلاق التشريعات اللازمة لدخول العملية الإصلاحية التي وحدها من يفتح الطريق أمام صندوق النقد الدولي والصناديق الضامنة، ولا سيما أن كل الوفود الزائرة للبنان عربية كانت أم غربية موقفها واضح ويصبّ في خانة أنه على لبنان أن يقرّ الإصلاحات، وإلا ليس هناك من أي دعم أو مساعدة من الدول المانحة، في وقت يطلق أهل الحكم مواقف إنشائية حول الإصلاح، لا سيما عندما قال رئيس الجمهورية ميشال عون منذ أيام، أنه، «في فترة قريبة، سنطلق العملية الإصلاحية»، وقد تبقى لرئيس الجمهورية حوالى الشهرين لانتهاء ولايته الرئاسية، ما يؤكد بأن كل المواقف السياسية المطروحة رئاسية كانت أو سواها، لا تشي بأن هناك نية لدى المسؤولين اللبنانيين بالقيام بالإصلاحات الإدارية والمالية المطلوبة، في سائر مؤسّسات وقطاعات ومرافق الدولة اللبنانية.
في هذا السياق، تكشف المعلومات، بأن هناك أكثر من طرف زار لبنان في الأيام المنصرمة، وطالب بضرورة إقرار الإصلاحات لأن هناك أجواء دولية تشير إلى أن ما أُقرّ للبنان من مساعدات من أموال «سيدر» وسواها، سيُصرف النظر عنه لأن هناك مهلة أُعطيت لإقرار الإصلاح، ولا سيما ما سبق وتمّت المطالبة به من قبل الدول المانحة خلال حكومة الرئيس السابق للحكومة حسان دياب، وصولاً إلى حكومة تصريف الأعمال، دون أن تتحقّق أي خطوة إيجابية، وعلى هذه الخلفية، أنذر الموفد الفرنسي السفير بيار دوكان المسؤولين اللبنانيين عندما كان حاسماً وغاضباً في التعبير عن استيائه لعدم التزامهم بما تعهّدوا به أمامه، وأيضاً أمام كل الدول المانحة من مؤتمر «سيدر» إلى سائر المؤتمرات الأخرى، وعلى هذه الخلفية، علم من مصادر موثوقة، أن أموال «سيدر» تم تجميدها، ولم تعد مخصّصة حصراً للدولة اللبنانية إلى حين إقرار الشروط والمطالب التي سبق وعُرضت خلال هذا المؤتمر، ولا زالت هي عينها أمام ما جرى لاحقاً في مؤتمرات أخرى.
من هذا المنطلق، فما جرى في الآونة الأخيرة، خلال القمم والمؤتمرات الدولية والحراك باتجاه لبنان، إنما كان عنوانه الإصلاح، ولذلك، يقرّ أحد السياسيين البارزين، بأنه من الصعوبة بمكان أن يتم التوصّل إلى أي نتائج إيجابية في العهد الحالي، أو ثمة انفراجات من المتوقّع أن تدفع بالدول المانحة لدعم لبنان، إذ، وبمعنى أوضح، يبدو أن كل هذه الملفات ستكون في عهدة العهد الجديد، ومع حكومة هذا العهد الأولى، إذ أن كل المانحين والذين يطالبون بالإصلاحات، يدركون هذا الواقع، ولكنهم يبعثون برسائل قبيل الإستحقاقات التي تنتظر لبنان، وفي طليعتها الإنتخابات الرئاسية، بمعنى أنهم يصرّون على أن يدرك أهل السياسة في لبنان كيفية إدارة هذا الإستحقاق وسواه، لأن المطلوب عهد وحكومة عنوانهم الإصلاح، بعد الإفلاس والإنهيار الذي أصاب الدولة اللبنانية ولهذه الغاية لم يعد من الجائز بعد اليوم أن يكون هناك تهاون أياً كان رئيس الجمهورية أو الحكومة، وعلى هذا الأساس، تمارس الضغوطات على المعنيين ليدركوا أن لبنان بات دولة موضوعة تحت أعين المجتمع الدولي والدول المانحة بشكل محدّد، وتغيّرت أساليب التعاطي التي كانت سائدة في مرحلة سابقة، إنما ووفق المتابعين لمسار هذا الوضع، ثمة صعوبات كثيرة تواجه الساعين إلى دعم ومساعدة لبنان قبيل انقشاع الصورة السياسية في الداخل والخارج، وحينها يبنى على الشيء مقتضاه، إن على صعيد الإصلاحات أو المسار اللبناني بشكل عام.