IMLebanon

هبّة الإصلاحات وتناغم بري والسنيورة

لا تنتهي النقاشات حول انتخاب العماد ميشال عون رئيسا وسلة الرئيس نبيه بري ومجلس الشيوخ، لكنها تدور على ايقاع ما يحصل في حلب والاستعداد لمرحلة الانتخابات الاميركية

في ايام قليلة تعددت الملفات المطروحة في حلقات النقاش السياسية، من معركة حلب والكر والفر بين نظام الرئيس السوري بشار الاسد وايران وحزب الله وروسيا، وبين المعارضين له ومن يدعمهم اقليميا ودوليا، الى الانقلاب التركي، ليس العسكري فحسب، انما تغير وجهة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان نحو روسيا، وصولا الى محاولة استيعاب ما وراء السلة التي طرحها الرئيس نبيه بري والعودة الى الاصلاحات ومجلس الشيوخ، وتلويحه اخيرا بالحرب الاهلية.

فحلب لا تقل اهمية عن السلة التي ارادها بري في لحظة اقليمية مؤاتية. بالنسبة الى سياسيين ممن يعرفون بري جيدا، ثمة لهجة جديدة غير اعتيادية من رئيس المجلس، الذي كان عادة يلملم ويرطب اي توتر او تصعيد كلامي او امني كان يلجأ اليه حزب الله. اللهجة اليوم بهذا المعنى جديدة، وكذلك توقيت طرح السلة، التي لا تبدو انها كغيرها من الاقتراحات الهادفة الى تضييع الوقت. بل بدا ان للاقتراح خلفية اقليمية ــ ايرانية، تزامنا مع التصعيد العسكري في حلب الذي كاد النظام السوري وايران يعلنان السيطرة عليها، قبل ان تنكشف في اليوم التالي حقائق جديدة تتعلق بتقدم المعارضين السوريين للاسد. تدور الاسئلة والنقاشات حول ما اذا كان طرح السلة، مقصودا مع انفجار معركة حلب، وعشية دخول المنطقة في مرحلة انتظار استعدادا لجلاء نتائج الانتخابات الاميركية، فتوضع مكاسب سوريا ولبنان على اي طاولة مفاوضات اقليمية.

لكن تبين ان حسم معركة حلب لن يكون سريعا بالقدر الذي تتوخاه ايران وسوريا، وكذلك فإن ردة الفعل على سلة بري، جاءت ايضا سريعة فلم تعط ما كان رئيس المجلس يرغب به، فلجأ الى التصعيد الكلامي. فماذا بعد وضع جميع القوى النقاط على الحروف وتبيان مواقفها؟ وهل يكون الكلام عن السلة والكرسي الرئاسي الفارغ، بدوره مقدمة لتطور داخلي يبنى عليه في الاشهر المقبلة؟

في معلومات شخصيات مطلعة، ان الرئيس سعد الحريري كان قد وضع بري في اجواء النقاشات حول الانتخابات الرئاسية، والاثمان المرتفعة التي دفعها من اجل اجراء الانتخابات الرئاسية اولا حين رشح رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع وثانيا حين رشح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجيه الذي ينتمي الى 8 آذار. واذا كان الترشيح الاول لم يؤد به الى اي خسارة شخصية بل الى عدم اجراء الانتخابات الرئاسية، الا انه في الترشيح الثاني دفع كثيرا من رصيده في تيار المستقبل وخارجه، بدليل ما حصل في الانتخابات البلدية وبروز ظاهرة الوزير اشرف ريفي. وسؤال الحريري تبعا لذلك «هل تريدون ان ادفع رصيدا اكثر وارشح العماد ميشال عون، فأخسر ما تبقى لي اكثر من المستقبل والشارع السني؟». يدرك الحريري ان بري معارض مثله لترشيح عون، لكنه يدرك ايضا ان لبري حسابات محلية واقليمية مختلفة، وان لديه لائحة مرشحين يتقدمون على عون.

وهذه الحسابات ظهرت من خلال طرح السلة، كبند يتقدم على رئاسة الجمهورية. اذ لم يجد بري في العودة الى الطائف الذي يطالب المسيحيون بتطبيقه فعليا لا كما نفذ خلال الوجود السوري في لبنان، الا في مرحلة الفراغ الرئاسي، وقبل انتخاب رئيس الجمهورية. معارضو السلة، الذين رأوا تناغما بين الرئيسين بري وفؤاد السنيورة الذي قبل مناقشة مبدأ السلة ودخل في حوارات تفصيلية حولها، وما قاله النائب محمد رعد في الجلسة الحوارية، دفعوا في اتجاه مقاربات مختلفة عن رؤية بري والسنيورة ورعد. فالتوافق الذي حاول السنيورة ان يتلقفه من كلام رعد، يجب ان يوظف في البحث عن شخصية جديدة للتوافق عليها من خارج نادي المرشحين الموارنة الاربعة، فقط، لا الكلام عن السلة وتثبيت بنودها قبل انتخاب الرئيس ولو كان توافقيا. فرئيس تيار المستقبل اعتبر ان خطأ ارتكب منذ اللحظة الاولى للفراغ الرئاسي من خلال التسليم بأن يترك ملف الرئاسة للموارنة، وللقادة الاربعة، والمراجعة السليمة لهذا الخطأ تدفع في اتجاه الخروج من دائرة الاربعة، والذهاب الى شخصية توافقية. وما قاله عن تمثيل رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس النيابي والحكومة لطوائفهم، كان ادق بالتعبير عن موقفه من بيان الاعتذار. لكن السنيورة اجتهد اكثر حين حاول الحصول ايضا من السلة على بعض المكتسبات.

في المقابل يريد بري وحزب الله تغليب التوافق على السلة لا على شخصية رئيس الجمهورية، ما يعني دوحة مصغرة او طائفا معدلا من دون رئيس للجمهورية. لكن السلة في كل الاحوال خروج على الدستور والطائف بذاته، بحسب معارضي اقتراح بري، لان هذا التوافق لا يعني الالتزام بانتخاب رئيس للجمهورية، لكنه يعني ان هذه السلة ستوضع كأمر واقع امام اي رئيس جديد بحجة توافق الكتل السياسية عليها مسبقا. وكذلك فان رفع بري من لهجة التصعيد، يبدو كأنه موجه فحسب في اتجاه المسيحيين الذين رفضوا مناقشة الاصلاحات قبل انتخاب الرئيس، وهل يعني التلويح بالحرب الاهلية مقدمة لتعبيد الطريق امام عودة قانون الستين، وعدم اجراء انتخابات رئاسية في المدى المنظور؟

لا تتوقف النقاشات عند هذا الحد. ثمة تسليم حتى في اوساط قوى 14 آذار، بان القوتين الشيعية والسنية تتناغمان حول الوضع الداخلي كل من ناحيتها، قانون الانتخاب الذي لا يريد المستقبل تبديله، الاصلاحات، تقاسم النفوذ بين رئاستين حكومية ونيابية. حتى الوضع التركي الذي اصبح ميزانا للصعود السني في الشرق الاوسط، مدار اسئلة: اين سنّة لبنان اليوم من الشعارات واللافتات التي رفعت تأييدا لاردوغان من الشمال الى البقاع، حين نجح في الافلات من الانقلاب، وهو اليوم يزور روسيا التي تتحالف مع النظام السوري وتدك طائراتها المعارضين السوريين في حلب؟ هل لا يزال اردوغان رقما صعبا في المعادلة السنية اللبنانية؟

لم تمر الاصلاحات على طاولة الحوار مرورا عابرا، رفضها حزب الكتائب والتيار الوطني الحر من داخل الطاولة، والقوات اللبنانية من خارجها. لكن ابعد من ذلك اين هذه القوى فعليا، في وقت يحاول فيه التيار استكمال تطبيع العلاقة مع بري من باب النفط، وتحصر القوات نقاشها ببند ترشيح العماد ميشال عون، فيما لم يطو بري او السنيورة او حزب الله ملف السلة. يقول النائب السابق فارس سعيد «مشهد اجتماع الدروز والموارنة في المختارة لتدشين كنيسة السيدة، فيما القرار السياسي صار في مكان آخر، اثبت ما قاله وليد جنبلاط عام 2009 ، من تحولهما من طائفتين اساسيتين في بناء لبنان والمشاركة في حكمه والنقاش حول الملفات السياسية الى هنود حمر».