IMLebanon

انكسار الحلم العثماني؟

انكسرت هيبة العثمانيّة الجديدة في أوّل مواجهة علنيّة ومفتوحة مع روسيا، خصمها التاريخي اللّدود. فالخطاب الواثق، المليء بالقوّة والصلابة الذي ظهر في الأيام الأولى التي تلت إسقاط الأتراك المقاتلة الروسية، لم يتمكّن من الصمود، إذ بدّده أردوغان عندما لجأ أخيراً إلى خطاب تهدئة مفاجئ، يتجاوز في دلالاته مجرّد السّعي إلى التهدئة. فالّلهجة التي استخدمها كانت صادمة وجديدة بالنسبة إلى متابعيه ومريديه، ولا تشبه تلك التي استخدمها مثلاً غداة حادثة العبّارة التركية التي استهدفتها إسرائيل، والتي حقّقت في النهاية النتيجة الرمزية التي سعى إليها والمتمثّلة بالاعتذار الإسرائيلي عن الحادثة. إلى هذا، يُلاحظ وجود شيء من الخوف، أو ربما الخشية التركية من التصعيد مع روسيا والسّير نحو مواجهة مفتوحة.

بيد أنّ ما جرى يكشف واحدة من أعمق أزمات تركيا الحاليّة وأخطرها، والمتمثّلة بسياسة الرئيس التركي وشخصه. ذاك أنّ أردوغان الذي كان يمتلك مشروعاً مزج فيه بين الطموح العثماني وبناء دولة تتجاوز الإرث الأتاتوركي الخانق، كان نجح فقط في تخليص الدولة التركية من سيطرة الجيش والقيام بما يمكن تسميته «قتل الأب» المتمثّل بكمال أتاتورك. في المقابل، تبدو الأيديولوجيا العثمانيّة التي يعتنقها أردوغان وجماعته، في وضع حرج. فبعدما كانت الأمور تسير في شكل جيّد ومستقر، ظهرت الثورة السورية التي وضعت وتيرة الطموح التركي على المحكّ. هذا إضافة إلى التحول الذي شهدته شخصية أردوغان نفسه، إذ أدّى غروره وثقته المفرطة بنفسه إلى إحداث شقاق بين رفاقه، تسبّب بتهميش البعض كعبدالله غل، وإفساد البعض الآخر بالمشاحنات والأطماع الشخصيّة وعلى رأسهم أحمد داود أوغلو، أحد كبار منظّري الحلم العثماني، والذي كانت الصحافة الغربية تصفه بـ «كيسنجر السياسة التركيّة».

بيد أنّ الخطر الأكبر كان في الانقلاب على فتح الله غولن والقضاء على نفوذه. ذاك أنّ الأخير كان يمثّل الحامل الاجتماعي الأبرز لسياسة إسلامية، وبخسارته سيكون من الصعب على تركيا تجاوز دول وسط آسيا ذات الأصول التركيّة والتواصل مع الشعوب الإسلاميّة المحيطة بروسيا وخلق رابطة عثمانية – إسلاميّة تقوّي من خلالها حلمها الإمبراطوري، الأمر الذي بإمكانه أن يشكّل عامل ضغط أساسياً على روسيا. وربّما كان أردوغان، بغروره المتعاظم، يتخيّل أنّه يمتلك أوراق «الديموغرافيا العثمانية» تلك، والتي تبقى مجرّد احتمالات، إذ لم تستطع الصمود أمام القوّة الروسيّة المتوحّشة التي تبدو اليوم كأنّها أقوى الأوراق في مواجهة العالم أجمع.