يُصرّ الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله على إبقاء القضيّة الفلسطينيّة كمحور دائم ضمن فصول خطاباته التي باتت تُشبه بعضها البعض إن من حيث المضمون أو لجهة المعلومات التي يُزوّد بها ناسه وجمهوره بالدرجة الأولى والتي أصبحت تحتاج الى تدقيق أدّق إن في صحّتها أو في طريقة سردها.
كما هو حال اللبنانيين في ما خصّ تفرّد «حزب الله» بقرار الحرب والسلم في بلدهم وفي الدفاع عنهم رغماً عن «أنفهم»، كذلك هو الأمر بالنسبة إلى جزء كبير من الشعب الفلسطيني الذي لم يعد يستطيع هضم استغلال الحزب الدائم لقضيّته مرّة بإعلان نفسه وصيّاً عليهم، ومرّات بتجيير إنتصاراتهم وإنجازاتهم في الداخل الفلسطيني لصالح محور «المُمانعة» خصوصاً بعد أن سقط الصراع مع إسرائيل من أجندة هذا المحور وأُدرج مكانه عنوان جديد اسمه «تقسيم الوطن العربي».
خلال حديثه الأخير وانطلاقاً مما يجري في القلمون، أراد نصرالله أن يضع جمهوره أمام خيارين، إمّا أن يُصدّقوه وإمّا أن يُصدّقوه. حدّثهم عن «انتصارات ساحقة في القلمون وعن احتلاله لأكثر من ثمانين في المئة من مساحات الأراضي هناك وعن هروب جماعي لمُسلّحين خلّفوا وراءهم مئات القتلى والجرحى»، لكنّه رُبّما نسي أو تناسى أن يشرح لهم الأسباب التي تؤدّي إلى سقوط أعداد كبيرة من مُقاتليه وحلفائه بشكل يومي في هذه المنطقة تحديداً طالما أنها أصبحت آمنة وأنّه يُسيطر عليها بالشكل الذي تحدّث عنه. ولذلك قد يأتي وقت يُصبح فيه نصرالله مُطالب من جمهوره بأن يعتمد رواية واحدة منذ بداية حديثه حتّى الانتهاء منه.
كل أرض يحتلّها «حزب الله» تُصبح «طاهرة». مفهوم استمدّه من المُعتقد الفارسي. إيران تحتل جزراً إماراتيّة، فتُصبح هذه الأخيرة «طاهرة» و«حلال» لمُغتصبها وكذلك الأمر بالنسبة إلى «الأحواز» ومناطق عديدة في العراق واليمن. الحزب يحتّل «القصير» ويمنع عودة سُكّانها اليها ويجعلها مُحافظة لمُقاتليه فتُصبح أيضاً «طاهرة» و«حلال» له، واليوم بات يُخشى على كل مناطق القلمون السوريّة من أن تتحوّل إلى «حلال» لـ«حزب الله» خصوصاً بعد قول نصرالله في خطابه الأخير «لقد حرّرنا كل هذه الأرض الطاهرة من أيدي التكفيريّين».
لم يُعطِ نصرالله في خطابه ولو بارقة أمل صغيرة لأهالي مُقاتليه الذين ينتظرون عودة أبنائهم سالمين، بخلاصهم من المأزق الذي تمّ سوقهم اليه، فهؤلاء الأهل الذين يمنعون جفونهم من الإطباق خشية أن يصحوا على أخبار مُفجعة، بشّرهم نصرالله بحرب طويلة ووعدهم بدل «النصر» بمزيد من القتلى والجرحى وبمزيد من الأيتام والأرامل، كما توعّد بلدة عرسال من خلال حديثه عن معلومات قال إنّه اطّلع عليها من مسؤولين في حزبه تقول إن المُسلّحين يفرّون باتجاه جرود عرسال، موحياً وكأن البلدة تحوّلت إلى ملاذ آمن لهم، علماً أن القاصي والداني يعلم أن الحزب والنظام السوري هما من منعا عمليّة انسحاب المُسلّحين باتجاه الرقّة عن طريق «صدد» أو «مهين» ثم «الزبداني» مروراً بطريق «السلميّة» بحماة ثم منطقة «خناصر» فالرقّة وذلك بقصد حشرهم ضمن بقع مُحدّدة لإرغام الجيش اللبناني على التدخّل وبالتالي فتح معركة معهم.
المُشكلة الدائمة مع ما يقوله نصرالله هيّ انّه مُقتنع بصوابيّة ما يقوم به وبأنه مُصرّ على تقويم اللبنانيّين وتقسيمهم إلى فئتين: واحدة «عميلة» و«مُرتهنة» للخارج وتعمل ضمن «أجندات» خارجيّة، وأخرى «طاهرة» ونظيفة ووطنيّة.. ومُشكلة حديثه المُتكرّر عن مُخطّطات تُحاك ضد الجيش اللبناني وعن جماعات تنوي استهدافه متناسياً أن حزبه كان أول من شارك في قتل هذا الجيش يوم منعه من التوجّه الى الجنوب ويوم قتل النقيب الطيّار سامر حنّا ومن ثم إطلاق الرصاص عليه على الطرق، ويوم منعه من تنفيذ مهامه في السابع من أيار، وأيضاً يوم وضع الخطوط الحمر أمامه في «نهر البارد». أليست هذه ازدواجيّة في التعابير والمُمارسة، وأيضاً ألا تُعتبر كل هذه التناقضات استخفااً بعقول جمهور «حزب الله» قبل خصومه؟.
يتوجّه نصرالله إلى الإعلام بسؤال: هل أن من قصف البقاع والقرى الحدوديّة هم «ثوّار»؟. لكن ومن منطلق مُقارعة الحجّة بالحجّة لا بد من توجيه سؤال له: هل من اقتحم بيروت والجبل وروّع أهاليهم وقتل ناسهم على الطرق وسرق منازلهم تحت مُسمّى «الغنائم» هم «مقاومون»؟ وهل من قتل الشعب السوري وشرّده وشارك في ذبحه، «مُقامون»؟. المشكلة مع «حزب الله» تكون عادة في «انتصاراته» وليس في انكساراته، إذ سُرعان ما ترتّد هذه «الانتصارات» في كل مرّة على اللبنانيّين بالدم وتحديداً على يد الحزب والتاريخ مليء بالشهود والشواهد.
كلام نصرالله الأخير جاء مشبعاً بالشوائب والمُغالطات والافتراءات، فكان حاله كحال خطاباته السابقة حيث لم يخرج المُستمع في نهاية الحديث ولو بمعلومة صغيرة تؤكد مسار الحديث كلّه على مدى ساعة.