“مفوضية اللاجئين” لـ”نداء الوطن”: لم تُسجَّل أي إصابة في صفوفهم
انها “التغريبة السورية” تتجدّد مع كل طارئ، أو أزمة تلوح في سماء لبنان، وكأن حالة التشرّد والتيه التي يعيشها هؤلاء النازحون السوريون، الهاربون من بلاد الموت، لم تكفهم ليغرقوا تارة في بحار الهجرة، وتارة أخرى في مهبّ الرياح، واليوم تهدّد حياتهم “جائحة” كورونا وانتشار العدوى في ظل تمييز عنصري لا يؤذي السوريين فحسب، انما يؤذي اللبنانيين أيضاً من تمدد هذا الوباء، وسط كثافة بشرية.
ففي البقاع، يعيش نحو 800 ألف نازح، يتوزّعون بين 350 ألفاً في المخيمات العشوائية وقرابة الـ 450 ألفاً يستأجرون منازل. وبحسب سجلات المفوضية، يعيش 344013 لاجئاً سورياً مسجلاً لدى المفوضية في البقاع، جميعهم مهدّدون بانتشار فيروس كورونا، لعدم قدرتهم المالية على مواجهته، من خلال كلفة الحجر المنزلي وما يترتّب عليهم، في ظل غياب فعلي للجمعيات المحلية والاقليمية وتقلّص تقديمات المنظمات الدولية المعنية بملف النازحين، ما قد يُهدّدهم مع انتشار خطاب التمييز العنصري، لانعدام مقومات الوقاية، في ظل كثافة بشرية كبيرة داخل هذه المخيمات والتي أضحت لأي داخل إليها، أنها في كوكب آخر، منفصل عن الارض المهددة بالفيروس، كوكب يعيش فيه البؤساء المثقلون بالوجع والعوز والفقر والنسيان من نظام لاحقهم بالقتل والموت، أينما حلّوا.
لا تستطيع عدسة الكاميرا ان تنقل رائحة الرطوبة داخل كل خيمة، كذلك لم تمنع الكمامة من عزل هذه الرائحة التي تلفح أي زائر مجرد دخوله باب الخيمة.
سرعان ما يتبادر الى الذهن السؤال: كيف يعيش الانسان فيها، ما لم تكن مقومات الحياة لديه معدومة؟
تروي ابنة معظمية الشام، مكية صوان أرملة قدمت الى لبنان، وتقيم في مخيم الرحمان ببلدة تعلبايا منذ سبع سنوات، بلهجتها الشامية: “الأمم شطبوني، لا عندي معيل ولا من يحزنون”، لتردف بتأفف: “الشكوى لغير الله مذلة، ما في بالبيت أكل بنوب لمين نشكي؟”.
فيما فاطمة العلي، المقيمة في المخيم منذ ثماني سنوات، نزحت من الغوطة، تقول :”مرض كورونا أهون من مرض التهجير والفقر”. تشرح انها أم لأربعة أيتام، وفجأة أبلغتها الأمم أنها شطبت من لوائح الإستفادة من ثمن المواد الغذائية، وتضيف: “نحنا مستأجرين خيمتنا اجار، 200 ألف ليرة بالشهر، اجار الخيمة والكهرباء والمياه”.
يتخوّف النازح اسماعيل المصري من كارثة انسانية في حال انتقال عدوى “كورونا” الى أي نازح، مع انعدام المستلزمات الوقائية المفترضة، لعدم قدرة النازحين على شرائها، في ظل غياب المنظمات الاممية عن تقديم أي مساعدة لمكافحة هذا الوباء. يقول: “لا شغل ولا مشغلة، ولا جمعيات”، ويسأل: “بحال أصيب نازح، من جهز مراكز لحجر المصابين السوريين؟ وأين هذه المراكز”؟ ليردف بتحسّر: “ربما القدرة الالهية التي تحمي سكان هذه المخيمات من انتشار “الوباء”، أو ربما أن أجسامهم طعّمتها الظروف الحياتية القاسية ضد الأوبئة”.
لا تُخفي السبعينية، فطوم عياش، أنها تعاني من داء الربو، نتيجة تنشّقها الرطوبة الناجمة من خشب الخيمة، ما أفقدها مناعتها في مواجهة اي فيروس، وتعتبر أن وضع هذه الخيم، المُشبعة بالرطوبة، مساعد أساسي لانتشار” كورونا”، وتحمّل المسؤولية للمنظمات الدولية، كونها غائبة عن أي مساعدة لهؤلاء الناس. وضع النازحين المقيمين خارج المخيمات ليس في أفضل حال، فمعاناتهم أكبر وأشمل، خصوصاً من جهة كلفة ايجار المنازل، وغياب المساعدات العينية لهم من قبل الجمعيات. “المطلوب يكون كل نازح بسام حلاق، يحرق حاله لتشعر به الناس والجمعيات”، بهذه العبارة المُغمّسة بالقهر والألم يعبرّ نازح يقيم في تعلبايا، ويحكي أن صاحب الشقة التي يستأجرها هدّده بأنه سيضع أثاث منزله في الشارع إذا لم يدفع له عن الشهر الفائت، ويضيف، وفي عينه دمعة مثقلة بعزة النفس: “للبيوت اسرارها، من قبل كورونا وقف شغلنا واللي جمعناه صرفناه”، ليسأل:”هل علي أن أحرق نفسي عشان تشوف حالنا الأمم والمنظمات”؟
مفوضية الامم المتحدة
وعن غياب مفوضية الامم المتحدة وغياب المستلزمات الوقائية، أوضحت الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان ليزا أبو خالد لـ”نداء الوطن” أن المفوّضية، منذ شهر شباط الماضي قامت بتفعيل دورها في خطّة الإستجابة الوطنيّة لفيروس كوفيد ـ 19 في تجمّعات الخيم والملاجئ الجماعيّة للاجئين على كافّة الأراضي اللبنانيّة. ويأتي هذا الدور جزءاً من الخطّة الوطنيّة للإستجابة الشاملة التي عملت عليها المفوضيّة مع الوزارات اللبنانيّة المختصّة وفي طليعتها وزارة الصحّة العامّة.
وقالت: “منذ مطلع شهر آذار الماضي، تقوم الفرق العاملة مع المفوّضيّة على نشر التوعية بشكل دوريّ ومستمرّ في صفوف اللاجئين حول كيفيّة النظافة والوقاية من الفيروس، كذلك، وزّعت ولا تزال، مواد التنظيف الصحيّة، من صابون وغيره، تدريجيّاً في مختلف المناطق التي يتواجد فيها اللاجئون”. وأشارت الى أن المفوضية باشرت بإقامة مرافق للعزل في الأماكن المكتظّة وضمان جهوزيّتها التامّة لاستقبال أيّ لاجئ بحاجة إلى العزل في حال الإصابة بالفيروس”. وقالت: “لأن مكافحة الفيروس تعني الجميع، ولا تمييز جنسيّة أو إنسان على غيره، التزمت المفوّضيّة بتأمين 800 سرير و100 وحدة عناية مركّزة لتساعد المستشفيات على توسيع قدرة استيعابها للبنانيّين وللاجئين على حدّ سواء عند الحاجة. تجدر الإشارة بأنّه لم تُسجّل اي إصابة في صفوف اللاجئين في لبنان حتّى الساعة”.
وعن شطب لاجئين في هذه الظروف، عزت أبو خالد السبب الى أن الحكومة اللبنانية طلبت من المفوضية، التوقف عن تسجيل اللاجئين السوريين في عام 2015. وقد اتفقت المفوضية مع السلطات اللبنانية في ذلك الوقت على الاستمرار في مساعدة اللاجئين الذين يتصلون بها ويكون قد تمّ تقييم أوضاعهم بشكل كامل، واعتُبروا انهم بحاجة إلى الحماية الدولية والمساعدة الإنسانية. لهذا السبب، فإن بعض اللاجئين، الذين لا يمتلكون شهادة تسجيل صادرة عن المفوضية ولكنهم معروفون لدى المنظمة ومؤهلون للدعم بحسب تقييمهم، يتلقّون مساعدة شهرية، نقدية وغذائية، من المفوضية ومن برنامج الأغذية العالمي”.
وأوضحت أن نحو 910,000 لاجئ سوري مسجلين لدى المفوضية، كما تشير تقديرات الحكومة اللبنانية إلى وجود ما يصل إلى 1.5 مليون لاجئ سوري في البلاد، بما في ذلك أولئك غير المسجلين لدى المفوضية.
أما عن معايير المساعدات للنازحين وشطب الاسماء فأجابت أبو خالد: “ان المعيار هو هشاشة الوضع الاجتماعي والاقتصادي لمساعدة اللاجئين الأكثر فقراً، بغض النظر اذا كانوا يعيشون في خيم ام لا”. وشرحت “ان 73% من عائلات اللاجئين السوريين يعيشون تحت خط الفقر، بأقل من 3.8 دولارات أميركية في اليوم، في حين يعيش 55% تحت خط الفقر المدقع، بأقل من 2.9 دولار أميركي في اليوم. لذلك فمن الأمثل تقديم المساعدة لما لا يقل عن 55% من عائلات اللاجئين السوريين في لبنان من خلال الدعم النقدي والغذائي، وحتى 73% منهم؛ لكن للأسف، لا تسمح الموارد الحالية المتاحة لدى المفوضية وشركائها بالوصول إلا إلى 20% من مجموع أسر اللاجئين السوريين في لبنان وتقديم 175 دولاراً أميركياً لكل أسرة في الشهر، من أجل مساعدتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية، في حين يتلقى حوالى 40% من مجموع أسر اللاجئين السوريين 27 دولاراً أميركياً للشخص الواحد في الشهر، من برنامج الأغذية العالمي وذلك للحصول على مواد غذائية”.
ولفتت ابو خالد الى ان المفوضية قدّمت خلال فصل الشتاء، مساعدات نقدية إلى أكثر من 900,000 لاجئ سوري لمساعدتهم على تلبية احتياجاتهم الإضافية الخاصة بأشهر الشتاء القاسية، بما في ذلك الوقود والغذاء والدواء. وقالت: “كذلك قدّمنا الدعم إلى 20,000 عائلة لبنانية ضعيفة من خلال تزويدهم بمساعدات خاصة بفصل الشتاء. ندرك تماماً أن ذلك بعيد كل البعد عن أن يكون كافياً، خصوصاً وأن المجتمعات الضعيفة، بما في ذلك اللاجئون السوريون، شديدو التأثر جرّاء الأزمة الاقتصادية وتداعيات كوفيد-19″.
وعن حالات الازدحام التي كانت تشهدها مراكز المفوضية قالت ابو خالد :”بناءً على القرار الذي أعلنته الحكومة في آذار، تم إغلاق مراكز الاستقبال التابعة للمفوضية وتأجيل المواعيد، كذلك تم تعزيز الاستشارات عبر الهاتف لتلبية الاحتياجات الإنسانية والإجابة عن أسئلة اللاجئين”.