IMLebanon

بروكسل التعافي المبكر دون عودة اللاجئين

 

 

لم تعد الأزمة السورية أولوية بالنسبة إلى المجتمع الدولي. فقد تمّ تهميشها بسبب طبيعتها التي تبدو مستعصية على الحل. وخصوصاً بعد جمود المفاوضات بين اطراف النزاع بعدما استمرت لسنوات، ولا سيما منها جولات «جنيف» التي بدأت في عام 2012، من دون أن تضع حداً للحرب ومعالجة الأزمات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي نتجت منها أو وقف التدخّل الأجنبي في سوريا التي تلبننت واصبحت مسرحاً للحروب الدولية الباردة، تنتظر سقوط جدار برلين الجديد في سهول اوكرانيا.

أدّت هذه العوامل مجتمعةً إلى تحول استراتيجي في السياسات الدولية التي انتقلت من السعي الى إنجاز حل سياسي مستدام تحت مظلّة قرار مجلس الامن الدولي الرقم 2254، وإطلاق مشاريع «إعادة الإعمار» وعودة اللاجئين الطوعية والآمنة، الى الاكتفاء بتثبيت مرحلة خفض التوتر والانتقال إلى مقاربة «التعافي المبكر» من دون الإعمار، ومساعدة المقيمين في سوريا على البقاء في ارضهم من دون اي عودة للاجئين على مدى السنوات الثلاث الماضية، وسيستمر للسنين المقبلة للأسف، وهذا ما يتجاهله المسؤولون اللبنانيون عن عجز أو قصر نظر.

 

بدأت البلدان المانحة في زيادة مساعدات «التعافي المبكر» في مؤتمر بروكسل السادس في عام 2022، بعد اشهر قليلة على اشتعال الحرب الروسية ـ الاوكرانية. وهدفت إلى الانتقال من مقاربة الإغاثة الإنسانية للداخل السوري، إلى مقاربة التنمية لتأمين استدامة بالحدّ الادنى لما تبقّى من البنية التحتية، عبر تنشيط الاقتصاد المحلي وتمكين الخدمات العامة التربوية والصحية وبعض البنى التحتية البسيطة للتخفيف من حدّة الأزمة التي يعاني منها السوريون المقيمون في سوريا، حيث تعيش نسبة كبيرة منهم تحت خط الفقر. وقد استمرت هذه السياسة العامة في مؤتمر بروكسل السابع، خصوصاً بعد زلزال 2023 الذي أصاب مناطق كبيرة من الشمال السوري، مع استمرار التشديد على ضرورة إيجاد حل سياسي شامل ومستدام للنزاع، من دون العمل الضاغط للوصول اليه، وخصوصاً أن لا مصلحة لأحد اليوم في تقديم اي تنازلات من أجل السلام.

اقليميًا، يساعد صندوق التعافي المبكر المانحين غير الإقليميين، مثل دول الخليج العربي، الذين يعيدون علاقاتهم الديبلوماسية مع النظام السوري بتقديم الدعم لسوريا من خلال المنظمات الدولية، وخصوصاً بعدما صوّت مسؤولون رفيعو المستوى في اجتماع طارئ ومغلق لوزراء الخارجية العرب في 7 أيار 2023 في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة، على استعادة سوريا مقعدها في الجامعة، والتي شاركت رسميًا بعده في اعمال القمة العربية في الرياض ثم في القمة الاخيرة في البحرين.

محليًا، قامت حفلات الهرج والمرج السياسي في لبنان بألحان الشعبوية والتملص من المسوؤليات على إيقاع اعمال مؤتمر بروكسل الثامن الأخير الذي انطلقت اعماله في نيسان الماضي، وسعى فيها المشاركون الى تطوير نهج «التعافي المبكر» بهدف تثبيت السوريين المقيمين داخل سوريا في ارضهم، من دون اقتراح او مناقشة اي برنامج لعودة اللاجئين الطوعية والآمنة التي تُربَط دوماً بالحل السياسي تحت مندرجات القرار 2254. أطلق النواب اللبنانيون من منبر ساحة النجمة الاتهامات للمؤسسات الدولية بأنّها تعمل على توطين اللاجئين السوريين في لبنان، ولم تتجرأ الّا قلة قليلة منهم بالخروج عن فعاليات المهرجان النيابي لتصويب البوصلة في ادارة إحدى اكبر ازمات لبنان، وكان ملفتاً مطالبة احد النواب الحكومة اللبنانية بخطة مكتوبة لإدارة هذه الأزمة وحلها، ليتبين أنّ الحكومة اللبنانية لم تقدّم اي اقتراح رسمي مكتوب للجهات الدولية، والوفد المشارك لن يتخطّى محتوى حفلة الزجل النيابية. فالحكومة لديها ورقة واحدة تخفي فيها عورة عجز المنظومة ويتمها الاقليمي والدولي، فلم يبق شيء للبيع، وها هو هوكشتاين ينصحهم بالقبول بالخط الازرق، فمن يعطي رأس الناقورة يعطي كل شيء.

وهنا يُطرح السؤال الكبير، ما هو سبب غياب لبنان عن فعاليات المؤتمر التي تمهّد لتغيير السياسات ولمقررات الجلسة الختامية؟
للأسف، انتهت في الأمس الدورة الثامنة من مؤتمر بروكسل، وتعهّد الاتحاد الأوروبي بتقديم 560 مليون يورو لدعم السوريين ومساعدتهم داخل سوريا لسنة 2024، بعد ان كانت 258 مليون يورو عام 2022، والقيمة نفسها تقسّم على اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة الضعيفة في لبنان والأردن والعراق، وتعهّدوا بتقديم مليار يورو لدعم اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة الضعيفة في تركيا. وعلى ما كان متوقعاً، تمّت زيادة تمويل صندوق التعافي المبكر وبقاء المساعدات في دول الجوار على حجمها الذي خفّض سنة 2023، وأقفلت خشبة مسرح الهرج والمرج لقضية اللاجئين السوريين، وأعلن المسؤولون اللبنانيون أننا تحت احتلال «مفوض سامي» جديد، ويصبح «الحق على الطليان»، وإلى موسم آخر.