IMLebanon

للاجئين حقوق وواجبات في الدولة المضيفة وخطورة الملف لا تسمح بتناوله الغوغائي

لا يصح أن يماري أحد في أنّ موضوع اللجوء السوري إلى لبنان يطرح تحديات خطيرة على التركيبة المجتمعية اللبنانية سيّما وأنه لا يبدو من أفق منظور لإنقاذ سوريا من استمرار وجود نظام الاحتضار الدموي هذا، ومن الحرب التي فجّرت المجتمع السوري في بنيته نفسها. في الوقت نفسه، مشكلة بهذا العمق، وبهذه الجسامة والخطورة تُطرح على لبنان واللبنانيين لا يمكن أن تُعالج بالصبيانية والهستيريا. بالعكس تماماً، إذا كانت المكابرة «المثالية» على المشكلة مضرّة، وإذا كانت المقاربة الدولية السعيدة بـ»الحفاوة اللبنانية» سطحية ومجبولة بالرياء، فإنّ الانفعالية والصلف والتفاخر بانعدام الرحمة والإسفاف في الشعارات والطروح أشد ضرراً بما لا يُقاس. طالما أن هناك حرباً في سوريا بهذا الشكل، وطالما أن حزباً مثل «حزب الله» يقاتل الى جانب سوريين ضد سوريين آخرين في سوريا نفسها، ولم يعد يكتفي بالمناطق الحدودية في السلسلة الشرقية، بل قادته «بوصلة بيت المقدس» الى حلب، فإنّ أي مقاربة من نوع «احملوا خيمكم وامضوا» هي مقاربة ليست فقط «عنصرية» بل هي أيضاً «بلا طائل» وتساهم في حصر الخيارات بين «نزعة إنسانوية مثالية» تستثمرها المتابعة «الدولية» للملف لصالح إلقاء المزيد من الحمل على لبنان، وبين مقاربة غوغائية ذميمة لا تطرح أي أجندة عملية جدية، غير الإمعان في توتير الأجواء، وتشويه الواقع الأساسي الذي هو أن لبنان يتحمل فعلاً منذ خمس سنوات كل هذا الحجم الديموغرافي للجوء السوري ويستحق شعبه أن يشكر على هذا الأمر، وأن يؤازر من المجتمع الدولي ومن سائر المعنيين بملف اللاجئين.

في كل الحالات، وأياّ كانت التحديات الخطيرة على التركيبة اللبنانية، يُفترض أن تبقى الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، الذي يتقيد الدستور اللبناني بها، هي المنطلق الرئيسي لمقاربة ومعالجة هذا الملف. أي طرح يقدمه مسؤول لبناني ويتعارض مع مركزية حقوق الإنسان، وحقوق اللاجئين منظوراً لها من القانون الدولي والمعاهدات التي ترعى الشأن، هو طرح خاطئ ويفضي إلى خلاف ما يرمي اليه من تخفيف العبء. ليس هناك إنسان في العالم يمكن أن يُسلب من حقوقه الأساسية، وللاجئين على المجتمعات التي تستقبلهم حقوق كما عليهم واجبات. من دون صياغة المسألة هكذا، حقوق اللاجئين السوريين في لبنان وواجباتهم تجاه الدولة المضيفة، نقع إما في المكابرة «المثالية» المجبولة بالرياء، وإما في الغوغائية المعادية بشكل سفيه للفئات الأكثر ضعفاً من السوريين، وخصوصاً للعمال الذين لا يرتبط حاجة الاقتصاد اللبناني اليهم بوضع السنوات الأخيرة، بل يعود الى عقود الى الوراء، ولا يملك اللبنانيون بديلاً واقعياً عنه في القطاعات التي يشكل السوريون القسم الأكبر أو الأهم من اليد العاملة فيها. في المقابل، وعلى صعيد المهن الحرة، والمشاريع التجارية، يُفترض حماية المصالح اللبنانية من دون التباس هنا. المفارقة أن الخطاب العنصري الحالي يقوم بالعكس: كلام سفيه ضد العمال السوريين، وكلام مبهم في ما يتعلق بالمهن الحرّة والمشاريع التجارية والاستثمارات المتوسطة اللبنانية وكيفية حمايتها، ناهيك عن غياب أي اقتراح للتكامل بين الطاقات السورية في لبنان وتلك اللبنانية، بما فيه مصلحة السوق اللبنانية أولاً على هذا الصعيد، وغياب أي اهتمام جدي بإمكانية الاستفادة اللبنانية من المهارات الحرفية السورية في قطاعات تراجعت فيها المهارة اللبنانية.

وفي ما يتعلق بتصريح وزير الخارجية جبران باسيل حول حصر حق إعطاء المرأة اللبنانية الجنسية لأولادها بالمتزوجات من غير السوريين والفلسطينيين، وهو كلام أثار عاصفة من الاستياء المجتمعي، فإنه كلام يتحجج ببند «اللاتوطين» إنما يتناقض مع فكرة التشريع نفسها، التي إما أن تعطي حق إعطاء الجنسية للمرأة بشكل عام، وإما أن تحجبه عن المرأة بشكل عام. اتهام المرأة اللبنانية بأنّها إذا تزوجت سورياً أو فلسطينياً تكون تساهم بالتوطين هو كلام مجاني قبل أي صفة أخرى. الأكثر مجانية هو القول بإعطاء حق تجنيس الأولاد للمرأة اللبنانية التي تتزوج من أجانب إلا هذه. قبل سنوات، كان النائب نعمة الله أبي ناصر في مقدمة المناهضين لمنح المرأة اللبنانية حق إعطاء الجنسية، ولأسباب مشابهة لتلك التي عرّج عليها باسيل. لكن يحفظ لأبي نصر هنا أنه لم يقترح صيفاً وشتاء على سطح واحد. اعتبر أن كل موضوع إعطاء المرأة الجنسية غير مقبول من وجهة نظره، من طريقته في احتساب العدد. أما جبران باسيل فيريد أن يظهر «كنصير المرأة بشكل عام» إلا تلك التي تتزوج سورياً أو فلسطينياً، إلا تلك التي تتزوج لاجئاً. المرأة اللبنانية التي تتزوج لاجئاً ينبغي أن تعامل كلاجئة وأولادها كلاجئين، بحسب هذا المنطق. أما المرأة التي تتزوج أميركياً أو فرنسياً فينبغي أن «تضيّفه» الجنسية اللبنانية كونها جنسية «ليست بعينه». هزل هذا، فيما نحن نواجه بالفعل بمشكلة تزداد تفاقماً، خصوصاً مع غياب أفق الحل التسووي في سوريا، وانسداد الملف الرئاسي للبنان أكثر فأكثر.