يستفيدون من برنامجين للمساعدات ويسعّرون بالدولار
أمواج الأزمة المتلاطمة «أغرقت» فئات من المواطنين كانوا يعومون على خشبة الطبقة الوسطى، وعوّمت فئات من غير اللبنانيين فوق «سطح» الفقر. التبدّلات العمودية بين الطبقات الإجتماعية تعتبر من أبرز سِمات الأزمات العادية، فكيف إذا كان الحل على شاكلة الانهيار اللبنانيّ! أزمة نقدية تتغذى من التداول بعملتين، ووجود نحو 844 ألف لاجئ بحسب UNHCR يشكلون حوالى 18 في المئة من حجم السكان.
دفع الإنهيار النقدي بمتوسطي الدخل، ولا سيما طبقة الموظفين الذين يعتمدون على راتب «يتيم» إلى تحت خط الفقر. فمتوسط ما يتقاضاه موظفو الفئة الأولى من أساتذة الجامعة اللبنانية والمدراء العامين والقضاة وضباط القوى المسلحة من رتبة جنرال… أصبح بحدود 150 دولاراً أميركياً بعدما كان قرابة 3000 دولار. في المقابل «يتقاضى 844056 لاجئاً سورياً (من أصل 1.5 مليون لاجئ بحسب تقديرات الحكومة) مسجلين لدى «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» UNHCR، مبلغ 800 ألف ليرة شهرياً لكل أسرة»، بحسب الناطقة الرسمية بإسم المفوضية في لبنان دلال حرب. فـ»في أيلول 2021، ووفقاً لما تم الاتفاق عليه مع الشركاء الحكوميين، تمكنت المفوضية وبرنامج الغذاء العالمي والشركاء من زيادة قيمة تحويل المساعدات النقدية والغذائية على التوالي من 400 ألف ليرة لبنانية إلى 800 ألف للعائلة الواحدة. وزيادة المساعدة الغذائية من 100 ألف ليرة إلى 300 ألف للفرد في الشهر».
الغذاء بالدولار
بالاضافة إلى مساعدات المفوضية يستفيد اللاجئون من مبلغ مقطوع بقيمة 120 دولاراً، بمعدل 20 دولاراً للفرد الواحد لغاية 6 أفراد في الاسرة، عبارة عن بطاقة لشراء الغذاء من برنامج الغذاء العالمي. وهذه المساعدات التي توزع على المقيمين الفقراء عموماً واللاجئين خصوصاً، «تحولت إلى الدولار عندما فتحوا المجال أمام العائلات اللبنانية للاستفادة من المساعدات بالعملة الأجنبية في «برنامج استهداف الأسر الأكثر فقراً» مع بدء الازمة»، بحسب المشرف العام السابق على خطة لبنان للاستجابة للأزمة في وزارة الشؤون الاجتماعية عاصم أبي علي. «حيث كانت العائلات تستفيد من برنامج واحد أو من الاثنين معاً. وذلك بحسب وضعها، وهما:
– التعويضات النقدية متعددة الاغراض MULTI PURPOSE CASH من قبل UNHCR المذكور سابقاً.
– بطاقة التغذية المشبوكة مع برنامج استهداف الأسر الأكثر فقراً في لبنان بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي. حيث يشترط المانحون الدوليون توزيع المساعدات بالتساوي بحسب القيمة بين اللبنانيين والسوريين. وقبل أن تجري دولرة المساعدات كانت الأسرة تنال 100 ألف ليرة عن كل فرد حتى 6 أفراد ومبلغاً مقطوعاً قيمته 200 ألف ليرة . ليعود ويرتفع الرقم إلى 20 دولاراً للفرد الواحد حتى 6 أفراد.
طبقة وسطى جديدة
بحسبة بسيطة يستفيد حوالى 60 في المئة من أسر النازحين السوريين من مساعدات بقيمة تتراوح بين 4 و5 ملايين ليرة شهرياً. هذا المبلغ يضاف على ما ينتجه أفراد هذه العائلات (50 % منهم على أقل تعديل) من أعمالها التي تتركز بشكل رئيسي في مجال البناء والمهن الحرفية، ليرتفع بذلك المدخول إلى ما بين 10 و12 مليون ليرة للكثير من العائلات. وهو ما يشكل ضعف ما يتقاضاه أفراد الطبقة الوسطى سابقاً في لبنان. وبحسب أحد المقاولين فان أجرة المهني صاحب الاختصاص في أعمال البناء تبلغ 6 دولارات لنقطة الكهرباء الواحدة (يوجد على الأقل 30 نقطة في الشقة الصغيرة المحدودة المواصفات التي تقل عن 100 متر)، و 18 دولاراً لأعمال السنكرية (20 نقطة على أقل تعديل)، و5 دولارات لتلبيس متر الحجر، و3.5 دولارات لمتر التبليط… يتم تقاضيها بالدولار النقدي، أو بما يعادله على أساس سعر الصرف في السوق السوداء. فيما تتراوح أجرة العامل بين 100 و150 ألف ليرة لكل 7 ساعات.
سحق اجتماعي
في الوقت الذي انخفضت فيه الطبقة الوسطى إلى ما دون الفقيرة وسحقت الطبقات العمالية اللبنانية يبرز السؤال إن كانت المساعدات الاجتماعية (البطاقة التمويلية) المزعومة ستعيد للبنانيين جزءاً مما فقدوه، أو أنها تشكل تعويضاً مقبولاً كما يحدث مع اللاجئين؟ يجيب النقابي أديب أبو حبيب بان «ما يجري هو انهيار مجتمعي شامل لا تصححه الإجراءات المجتزأة والموقتة. فالانهيار لا يقف عند حدود الطبقة الوسطى إنما يطال المجتمع بأسره. وهذا يبرز بشكل واضح من خلال تسريح 100 ألف عامل من المؤسسات بحسب أرقام الضمان الاجتماعي. وهذا لا يعني تبدلاً إجتماعياً إنما سحق لعشرات آلاف العائلات، والنزول بها إلى درك العوز والجوع». وعليه فان المساعدات للبنانيين وحتى لو كانت بالدولار لا تتخطى كونها «حقناً مسكنة»، من وجهة نظر أبو حبيب. «ذلك أن النهج العام الذي اتبعته المنظومة منذ ما قبل الطائف وما بعده لم يأخذ بعين الاعتبار قضايا الانتاج، إنما قام على المضاربات العقارية والمالية وريع الفوائد. وباستثناء تجربة الرئيس فؤاد شهاب التي ركزت على الانتاج وتطوير الاقتصاد، فان النموذج الاقتصادي لم يكن مشجعاً، وهذا ما ندفع ثمنة حالياً. ولن تعود تنفع معه لا المساعدات ولا غير المساعدات».
هذا ومن الضروري التذكير، بحسب الناطقة باسم «المفوضية» دلال حرب، بأنه و»منذ عام 2011، تم استثمار أكثر من 309.3 ملايين دولار أميركي في المؤسسات والبنية التحتية اللبنانية لدعم عدد من الوزارات في تقديم الخدمات العامة لعدد أكبر من السكان، بمن فيهم اللبنانيون واللاجئون، ودعم المشاريع التي توفر البنية التحتية والمعدات اللازمة إلى المجتمعات اللبنانية من أجل التخفيف من تأثير تدفق اللاجئين. وكذلك في دعم المؤسسات والمجتمعات اللبنانية في الاستجابة بشكل أفضل لكوفيد-19 وإنفجار مرفأ بيروت. وبهذا على مدى العامين الماضيين، ونظراً للوضع المتدهور، زادت المفوضية من دعمها للبنانيين، سواء على مستوى المجتمع المحلي أو من خلال المساعدة المباشرة للأسر اللبنانية الضعيفة».
كل المساعدات قد تسكّن «الأوجاع»، لكن لن تقضي على «المرض العضال». فالانهيار الإجتماعي تتحمل مسؤوليته الطبقة السياسية»، برأي أبو حبيب. و»عندما يسرقون ويفسدون، ثم يهربون أموالهم على حساب كل المواطنين والمودعين فهذا يعني أنهم يفقّرون البلاد والعباد قصداً ولا نية لديهم بالاصلاح». أمّا الاتكال على المساعدات فسيتحول إلى رشوة قبل الانتخابات، فيما الأساس هو بناء جذري للاقتصاد والقطاعات الانتاجية.