يلجأ الفريق الحاكم إلى حجج شتى للتغطية على مساهمة سياساته في التسبب بالكارثة التي يعيشها اللبنانيون، ويستخدم الذرائع المختلفة للتعمية على دور الصراعات السياسية والقضائية التي يفتعلها في تأخير الخطوات اللازمة لتدارك المزيد من التدهور الذي بلغه الوضع المعيشي منذ صيف 2019 .
يعمل واهماً على إلهاء الرأي العام عن دور التعطيل الحكومي الذي كان وراءه لسنوات، وعن تأثير عرقلة تشكيل الحكومات في الحؤول دون الإصلاحات المطلوبة بإلحاح، منذ انعقاد مؤتمر «سيدر» في 2018 ، على الانحدار نحو جهنم.
من الشماعات التي يستخدمها هذا الفريق قضية النازحين السوريين. فعلى ثقل الأعباء التي يضيفها هذا الملف على كاهل الاقتصاد، تتلطى السلطة الحاكمة به، كما لو أن الوضع الاقتصادي في البلد لم يكن لينهار في حال لم يتدفق النازحون إليه جراء الحرب التي شارك في تسعيرها من له اليد العليا في هذه السلطة، حليفه «حزب الله»، وبتأييد منه. يتعمد هؤلاء تجاهل حتى الخطاب الذي يرددونه، بأن وراء المأساة اللبنانية الفساد والسرقات والجشع في الاستحواذ على الحصص في الدولة، تحت ستار الإصلاح. ويتعامى هذا الفريق عن دور ولائه الخارجي مع حليفه الحزب، وانحيازه الإقليمي الذي عزل لبنان عن محيطه، وفتح حدوده لأنواع التهريب في استنزاف العملات الصعبة من مصرف لبنان، وفي تسارع الانهيار اللبناني.
قبل يومين وجه الرئيس ميشال عون ما يشبه اللوم للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حين أبلغ المنسقة الخاصة للمنظمة الدولية في لبنان يوانا فرونتسكا، بأن تقريره عن تطبيق القرار الدولي 1701 أمام مجلس الأمن، «لم يركز على تداعيات النزوح السوري الى لبنان وأن بعض ما ورد في التقرير حول أوضاع هؤلاء النازحين لم يعكس حقيقة ما يعانيه لبنان على مختلف الأصعدة جراء وجود نحو مليون و500 الف نازح سوري على أراضيه، وأن لبنان لم يعد يحتمل مثل هذا الوضع». وأشار الرئيس عون إلى أن غوتيريش زار بيروت وعاين عن كثب واقع النزوح السوري واستمع الى وجهات نظر المسؤولين اللبنانيين في هذا الصدد.
لكن الحقيقة تقتضي التذكير بأن المسؤول الدولي ردد حين زار بيروت في 21 كانون الأول الماضي العبارة الآتية أكثر من مرة: «لا يحق للقادة اللبنانيين أن يكونوا منقسمين بحيث يشلون البلد». الزيارة تمت فيما كانت الخلافات على التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت جمدت انعقاد مجلس الوزراء ثلاثة أشهر. هو ذكّر في تصريحاته بما سببه التعطيل من حجب للحلول. وآخر الفصول ما يتعلق بمهزلة تأجيل قانون الكابيتال كونترول.
ولأن غوتيريش يعرف تفاصيل أزمة النازحين السوريين إلى لبنان منذ كان المفوض الأعلى لشؤون اللاجئين قبل انتخابه أميناً عاماً، وسبق أن زار لبنان بهذه الصفة، فهو يدرك كافة الحيثيات المتصلة بها، منذ ظهرت الخلافات اللبنانية حول إقامة مخيمات لهؤلاء على الحدود، وامتناع السلطات اللبنانية عن قبول تنظيم وجودهم وعمالتهم في انتظار عودتهم. كما أن الرئيس عون أثار خلال زيارته الى الفاتيكان وروما، موضوع النازحين السوريين وضرورة تسهيل عودتهم الى بلادهم، وتشجيعهم على العودة.
خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت أقام الرئيس عون عشاء لغوتيريش في القصر وتم إجلاس جبران باسيل عن يمينه على الطاولة، فأتحفه طوال مدة العشاء بالحديث عن النازحين وضرورة عمل الأمم المتحدة لإعادتهم، وأسمعه تصور فريقه الذي يتهمه خصومه بالعنصرية، لتحقيق ذلك. وبعودته إلى مقر إقامته كشف الأمين العام عن غضبه من ذلك العشاء ومما سمعه…
وكانت الواقعة وراء قوله في اليوم التالي في مؤتمره الصحافي: «لا أعتقد أن النازحين السوريين لا يعودون إلى سوريا بسبب المساعدة الهزيلة التي نقدمها لهم، بل السبب هو أن الوضع في بلدهم ما زال بعيداً عن إعطائهم الضمانات الضرورية كي يعودوا». فغوتيريش، رغم إبدائه الاستعداد لدعم من يريد العودة منهم، يتلقى تقارير عن القمع أو السجن أو الضغط الذي يتعرض له العائدون.
على هامش إثارة المسألة، يقول معنيون بالقرار المالي إن مصرف لبنان يستخدم الدولارات الطازجة التي يتم تحويلها من مفوضية اللاجئين إلى حسابها في قيوده، وكذلك المبالغ التي يقدمها البنك الدولي دعماً لقطاع التربية، لإنفاقها على برامج دعم النازحين، وتعليمهم، والتي يعاد إنفاق معظمها بالليرة اللبنانية، من أجل تمويل منصة صيرفة بهدف التخفيف من ضخ الدولارات في السوق من الاحتياطي الإلزامي… في العام 2021 بلغت هذه المبالغ زهاء 1.6 مليار دولار…