يا لسوريا ويا لشعبها، من نجا من اهلها من موت رخيص في دمار البيوت والازقة والاعدامات الفردية والابادات الجماعية، لم ترأف به الحدود ودروب الآلام الى الغربة القسرية والنزوح واللجوء، يطردون من ارض اخذت منهم بسطوة القتل والتخويف، ويتيهون بحثا عن شفقة او رحمة بالكاد يجدونها في بلاد الرحيل، اكانت دولاً قريبة يفترض انها جارة وشقيقة، أم خلف البحار تتشدق بالانسانية.
التغريبة السورية بمراراتها وصورها السوداء، حجبت كل التغريبات العربية التي سبقتها بما فيها التغريبة الفلسطينية. واذا كانت فلسطين هي النكبة فان سوريا في الكارثة.
الكل يدعي حبا لسوريا ولشعبها، والكل يمعن فتكا بهما. هؤلاء باسم الحفاظ على السيادة والوحدة عاثوا في الارض وفي الخرائط خرابا، و اولئك باسم الخلاص من الديكتاتورية سنوا السكاكين وجزوا الرقاب. بعضهم من فرط تمسكه بسوريا احرقها، والبعض الآخر باسم حماية شعبها من الظلم اطلق كل شذاذ الآفاق في ارضها. باسم الدين يقتل السوريون، باسم مقاومة المشاريع الاستعمارية تنتهك اعراض وتدمر بلاد، باسم الحرية تتحول السهول والمدن مقابر جماعية، باسم المذاهب الكل يذبح الكل.
ولم يكتف السوريون بما يصيبهم في ديارهم من ويلات قبل الفرار، بل جاءت رحلات التيه خلف الحدود لتغلق كل الدائرة وتزيدها ظلاما. العدد الهائل للاجئين في الدول التي فتحت ابوابها انهكت المستقبلين وفاقت طاقاتهم وصار اللجوء عبئا على المضيفين والمستضافين وقد يتحول مع مرور الوقت جحيماً وخصوصاً في البلدان ذات الحساسية الديموغرافية المفرطة مثل لبنان والاردن. والغرب الذي اخذته الحمية الانسانية والاقتصادية لاستقبال الآلاف منهم سرعان ما ندمت عواصمه على أريحيتها فبدأت برفع الاسوار وإقامة الجدران لمنع تدفق المزيد، وتعامل عتاة عنصرييها مع ضيوفهم كوباء ينبغي استئصاله. والعرب الاغنياء قابلوا ازمة اللجوء بالصمت وصد الابواب فيما “حماستهم” الزائدة لـ”تغيير” سوريا، ضاعف اعداد اللاجئين ولم يساهم في عودة اي منهم. اما تركيا التي تحصد نتائج فشل سياساتها في سوريا فتسعى اليوم الى تعويض خسائرها بالمتاجرة بضيوفها الذين شجعتهم على اللجوء بسياسة “الباب المفتوح”، فهي من جهة تبتز الاوروبيين بذريعة قطع الطريق على وصولهم الى اوروبا، ومن جهة اخرى تحاول احراج روسيا بتصويرها أنها بعملياتها الحربية المسؤولة عن المأساة الفظيعة التي يواجهها العالقون على الحدود، وفي أسوأ الاحوال تحويل هؤلاء وقوداً بالمجان في حروبها الخاصة على الاكراد والروس والنظام.
قضية اللاجئين تتفاعل بشدة وقد تكون القنبلة النووية المكبوتة، والتعامل معها لا يكون بمفاوضات طويلة الامد على غرار ما حصل مع ايران، ولا من بعد، بل باجماع دولي على دفع جدي نحو حل متوازن وسريع يرضي جميع السوريين.