تتيح تهدئة الانفعالات بعد أسبوعين صاخبين على الكشف عن تسوية تقترح دعم ترشيح النائب سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية، المجال امام اسئلة صعبة قد يكون ابرزها لماذا رفض “حزب الله” تسوية مريحة جدا بالنسبة اليه، ورئيسا مضمونا ومأمون الجانب وقريبا من العلويين إذا قيس بالمخاوف التي تساور هؤلاء نتيجة الوضع السوري، فيما كان ينبغي تلقفها بسرعة من الحزب وإنجاحها. فهناك تفسيرات كثيرة بررت عرض هذه التسوية، وتفاوتت بين الضغوط الخارجية ووضع الرئيس سعد الحريري ورغبته في العودة الى بيروت لأسباب تتعلق بالوضع الداخلي، وعدم قدرة البلد على تحمل انهيار المؤسسات الواحدة بعد الاخرى، وترميمها يبدأ من رئاسة الجمهورية. ومع ان ثمة من يقول انها لم ترفض، بل ارجئت فقط انطلاقا من مبدأ ان احدا لا يمكن ان يرفض تسوية مماثلة ويخاطر بالتخلي عن حليف، في حين انه قد يكون منتظرا عرضا افضل، فإن في ارجاء التجاوب مع التسوية ترفا مستغربا. وفي حسابات الربح والخسارة في لبنان والمنطقة، لا يمكن القول ان ميزان الربح يميل الى الفريق الداعم للنظام السوري، على رغم التدخل الروسي الى جانب هذا الاخير والى جانب ايران وكل الميليشيات التي تحارب في صفه. والنائب فرنجيه لم يبد في أي مرحلة من المراحل السابقة، وفي ظل استفتاءات في كل الاتجاهات، ذا حظ وافر او محتمل، والجميع يدرك ان انقاذ نظام الاسد من الانهيار لا يعني انه لا يخضع لضغط كبير، او ان التسوية في سوريا، في حال حصولها، ستكون لمصلحته، بل انها في أسوا الاحوال ستؤدي الى توازن مختلف في سوريا، ولا يمكن ان يحسم النظام او حلفاؤه في اي حال. والتقارير الاستخباراتية والميدانية تبرز دلائل على ذلك. وتاليا، ان يأتي رئيس للجمهورية من هذا الفريق في ظل ما يواجهه، يثير علامات استفهام كبيرة.
لماذا لم تقبل التسوية اذا بعيدا من التذرع باستمرار العماد عون على ترشيحه، باعتبار انها مكسب لا يمكن رفضه؟
ثمة عامل اساسي لا يمكن اغفاله عبر المماطلة او عدم القبول، يفيد بالاعلان بوضوح أن مفتاح القرار في البلد لا يزال يملكه الحزب، وهو الذي يتحكم في موعد اتاحة الافراج عن الوضع ام لا، وهو مركز الثقل في القرار الرئاسي أكثر منه أي فريق آخر. والتسوية أوقفت بسهولة كبيرة، على غير ما حصل في 1989 حين اوقف العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع ترشيح الشيخ مخايل ضاهر. وهي نقطة كشفت في الوقت نفسه مدى تراجع التأثير المسيحي وفاعليته على هذا الصعيد، بمعنى انهم ليسوا هم من اوقفها، بل الحزب. وبالعودة الى الارجاء في أحسن الاحوال، والذي عزي الى الاستمرار في دعم ترشيح عون، فإن الامر ينطوي على ترف، لأنه لا يمكن أحدا أن يضمن كيف يمكن ان تتطور الاوضاع او تنقلب الظروف، بحيث لا تعود التسوية صالحة، أو هي نفسها. وهل الحزب يملك الضمانات الكلية بأن التسوية المطروحة ستبقى قائمة ولن تنسفها المتغيرات، خصوصا اذا طال وضع المماطلة؟ وما هو المدى الذي يعتبر الحزب ضامنا فيه استمرارية هذا العرض او تحسينه من اجل اتخاذ هذا الموقف؟
يضاف الى ذلك أن الرئيس الحريري الذي كان صاحب المبادرة الى التسوية بايصال فرنجيه، يتعرض لضغوط هائلة، وتشكل المماطلة بدورها عاملا ضاغطا مساعدا ضده. فهو عاكس مؤيديه ومناصريه عبر خياره دعم ترشيح فرنجيه، وأثار ذلك امتعاضا من ضمن تياره السياسي وتناقضات كبيرة في الآراء، باعتبار أنه يقود تياره، لا بل جمهور 14 آذار كله، على نحو مخالف لاقتناعاته ولما ناضل من اجله، كما انه عاكس تحالفاته السياسية في قوى 14 آذار ايضا . وهذه أثمان باهظة جدا على الحريري الذي قد يجد نفسه، في ظل عدم قبول جمهوره كليا بفرنجيه رئيسا او بدعم ترشيحه، وفي ظل عدم تلقف الحزب المبادرة، في وضع من يضطر الى اعلان العودة الى نقطة الصفر في الموضوع الرئاسي، فتصفّر العدادات مجددا في حال لم يكن الفريق الاخر جاهزا للذهاب الى التسوية التي تعني من حيث المبدأ ان ليس هناك غالب او مغلوب، وان هناك توازانا في الربح والخسارة، علما ان فريق 14 آذار يشعر بأنه تنازل كثيرا في حال قبول فرنجيه رئيسا. وما لم يصر الى قبول التسوية، فالاجدر بما ان الاربعة الاقوياء من المرشحين المسيحيين، الذهاب الى مرشح توافقي، علما ان الحريري يعطي فرصة قوية لنجاح مبادرته ولا يزال يراهن عليها. وهناك من يتحدث عن نية دعوة الحريري الى اقفال خطه الهاتفي والاعلان عن تجميد مبادرته، ان لم يكن الاعلان عن نية التخلي عنها لقاء التلويح او ترشيح شخصية وفاقية. فكثيرون يخشون تعرض الحريري للابتزاز بذريعة رغبته في العودة رئيسا للحكومة، وهذه نقطة يعبر الحزب عن امساكه بها على نحو غير مباشر ايضا، لجهة تحديد رغبته في عودة الحريري ام لا عبر التعبير عن موقف من ترشيح فرنجيه، وهو ما يعرض الحريري لضغوط من اجل عدم اعطاء هذه الورقة لخصومه.