IMLebanon

تمنيات

بعد أيام قليلة يدخل الشغور في رئاسة الجمهورية عامه الثاني وليس في الأفق المنظور ما يُشير إلى إمكانية حصول اتفاق داخلي على إنهاء هذا الوضع الشاذ، فيما يبدو جلياً أن العالم يئس من اللبنانيين ورفع يده عن هذه القضية بإسقاطها من أولوياته والاكتفاء بدعوة اللبنانيين ليأخذوا هذا الأمر بجدية أكثر ويتفاهموا على ملء هذا الشغور الذي لم يعد مقبولاً ولا مسموحاً به في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه المنطقة ولبنان ليس بمنأى عنها، وإن كان لا يزال هناك مظلة دولية لمنع هذا البلد من الانزلاق نحو الفوضى غير البنّاءة، والمسؤولية عن استمرار هذا الوضع الشاذ موزعة بين حزب الله الذي يستخدم لبنان ورقة في يد الإيراني ليستخدمها في المفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الخمس الأخرى في شأن الملف النووي إضافة إلى أوراق أخرى يستخدمها في هذا السياق كالعراق وسوريا واليمن وصولاً إلى دول الخليج التي انتفضت بعدما وصل التهديد الإيراني إلى حدودها من بوابة اليمن والعراق.

وها هو العماد عون الذي نصّب نفسه ولياً على المسيحيين بحكم كونه يملك أكبر كتلة نيابية مسيحية حصل عليها أو على نصفها بأصوات الشيعة التي جيّرها له حزب الله ما زال يضرب بعرض الحائط نصائح الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا التي أثبتت أنها ما زالت حريصة على الوجود المسيحي في هذا الشرق، وفي لبنان بشكل خاص لأسباب تاريخية واستراتيجية لا لزوم للتذكير بها، يقفل كل الحلول لأزمة الانتخابات الرئاسية من خلال طروحات مرفوضة من قبل أكثرية اللبنانيين لأنها تنسف أساس جوهر الاتفاق الذي كرّسه اتفاق الطائف والمبني على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وعلى توزيع الرئاسات الثلاث للحفاظ على ميثاق 1943 وليبقى للمسيحيين مرقد عنزة في هذا الشرق الذي يشهد تحولات سريعة تحت عنوان عريض وهو الشرق الأوسط الكبير والمبني على استراتيجية إعادة النظر في كيانات الدول وفي اتفاق سايكس بيكو الذي قسّم هذه المنطقة إلى دول قد تكون قابلة للحياة لكنها ليست في وضع مستقر بسبب تعددها الديمغرافي. وفي نفس الوقت يتجاهل دعوات بكركي المتكررة له للتخلي عن هذه المواقف وإفساح المجال للاتفاق بين القيادات المسيحية على إنهاء هذه الأزمة بانتخاب رئيس يُعيد الانتظام إلى المؤسسات الدستورية ويحفظ وحدة لبنان في ظل المتغيّرات الديمغرافية والكيانية التي يجري الإعداد لها تحت عنوان الشرق الأوسط الجديد والتي حذّر منها الشهيد كمال جنبلاط قبل أكثر من أربعين سنة وحثّ القوى المسيحية الحيّة لمواجهتها حفاظاً على وجودهم في هذا الشرق كشركاء أساسيين في بناء الأوطان وحضارتها، وما حذّر منه يتجدّد اليوم تحت عنوان الشرق الأوسط الجديد والذي يهدف إلى تقسيم هذا الشرق إلى دول عرقية وطائفية ومذهبية متناحرة ومتخاصمة وضعيفة لتبقى إسرائيل وحدها في هذا المحيط من العالم الدولة القوية والمستقرة بين هذه الدول التي تسعى كل منها من التقرّب إليها لتحمي وجودها.

فالأزمة الرئاسية في لبنان أخطر بكثير مما يتصوّر العماد عون، والخروج منها لا يكون بتعطيل مجلس النواب والاستقواء بالسلاح الذي يملكه حزب الله وإنما بإطلاق حوار واسع حول الخطر الذي يهدّد هذا البلد في حال استمر الفراغ في رئاسة الجمهورية والإسراع بالنزول إلى ساحة النجمة لانتخاب رئيس جديد يُعيد للمؤسسات الدستورية انتظامها ويُخرج البلد من أزمة النظام التي تهدّد الوجود والكيان في حال الامتناع عن إيجاد حلول لها كما هو واقع الحال اليوم الذي يتجسّد بامتناع حزب الله والتيار الوطني الحر عن النزول إلى المجلس النيابي، وترك الحرية للنواب لاختيار من يرونه مناسباً لملء الشغور الرئاسي لا البقاء وراء متاريس المصالح والنزوات الشخصية التي لا تستولد سوى استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية واقتراب الخطر من النظام القائم.