هناك مثل يتناقله الأحفاد عن الأجداد، يقول إذا غيّمت في سوريا أمطرت في لبنان، ومعنى هذا المثل بالسياسة، أن لبنان محكوم بعاملي الجغرافيا والتاريخ مع سوريا وما يحصل في دمشق له ارتدادات في لبنان وهذا ما دفع الرئيس المرحوم رياض الصلح باني الاستقلال، الى إطلاق عبارته الشهيرة لبنان ليس مقراً ولا ممراً لكي يُميّز لبنان عن سوريا ويكون له دولته المستقلة وذات السيادة شرط أن لا يتحوّل في أي زمان ومكان إلى ممرّ للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا من دون أن يعني ذلك بأي حال من الأحوال وتحت أي ظرف أن يسمح لسوريا بأن تتدخل في شؤون لبنان الداخلية.
لكن سوريا رغم حالة اللااستقرار التي عاشتها قبل تسلم حافظ الأسد الحكم في العام 1972، لم تحترم هذه المقولة وكانت تحاول دائماً فرض إرادتها السياسية والأمنية على هذا البلد الصغير وازداد هذا الأمر في عهد الرئيس الأسد، وأصبح أمراً واقعياً بعد الدخول السوري إلى لبنان إثر الحرب الأهلية، ما لبث أن تحول هذا الدخول إلى وصاية كاملة عليه، أي انه أصبح محكوماً بالمندوب السامي السوري الذي تصرف على هذا الأساس ووضع يده على كل مؤسسات الدولة الدستورية حتى انه صار يختار رؤساء الجمهورية ورؤساء مجلس النواب ورؤساء الحكومة، وكل المواقع الرئيسية والأساسية في الدولة.
بعد إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2005 ثار الشعب اللبناني على الوجود السوري في لبنان، ونزلوا إلى ساحة الحرية بالملايين، ولم يخرجوا الا بعدما انسحب الجيش السوري من كامل الأراضي اللبنانية إلى ما وراء الحدود واعتقد اللبنانيون انهم استراحوا من الوصاية السورية وتحرروا من الانتداب الأسدي، وعاد الاستقلال التام والسيادة الكاملة إليهم، لكن فريقاً من اللبنانيين المستفيدين من الوصاية، لم يرقَ له الانسحاب من لبنان فنزل بدوره إلى الشارع وصار ينادي شكراً سوريا للتدليل على التزامه وارتباطه السياسي والمصيري بدمشق حتى ولو أجبرت على الخروج عسكرياً من لبنان لكن تأثيراً في المعادلة السياسية الداخلية سيبقى كما كان قبل الدخول العسكري وبعده.
ومنذ ذلك الإعلان دخل لبنان في أزمة بل في مسلسل من الأزمات السياسية وحتى الوجودية لا سيما وأن فريق شكراً سوريا يملك فائض السلاح الذي لا يملك مثله الفريق السيادي، وبهذا السلاح يستطيع ان يفرض ما يشاء ويعطل ما يشاء ساعة يشاء باستعمال القوة كما حصل في السابع من أيار 2008، أو بالتهديد الضمني باستعمال القوة كما كان يحدث عند تشكيل الحكومات، كمثل نزول القمصان السود إلى الشارع، وبالطبع لم يكن النظام السوري برئاسة بشار الأسد بعيداً عمّا يجري داخل لبنان، بل كان يوظف كل امكاناته لدعم حلفائه، الذين رفعوا شعار شكراً سوريا والإمعان في ترهيب القوى السيادية عبر مسلسل الاغتيالات، وبذلك أصيبت ثورة الأرز بنكسة وبدت في ظل استمرار التدخل السوري عبر حزب الله وحلفائه المدعومين بقوة فائض السلاح المتوفر عند الحزب، ولم تنجح حتى في تشكيل الحكومة واحدة، ولا في انتخاب رئيس جمهورية، بعد ما فازت بالانتخابات النيابية وشكلت أكثرية مجلس النواب.
اليوم يتحدث البعض عن أن انهيار الاتفاق الأميركي – الروسي قد يدفع الجهود الدولية لإنجاز أحلام اليقظة، إذا ما أخذ به الفريق السيادي على محمل الجد ما دام نظـام بشار الأسد صامداً وما دامت دولة ولي الفقيه ومن ورائها حزب الله ماضية في دعم النظام، من ضمن سياسة التوسع والهيمنة في الإقليم.