لا يخرج كلام نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم أمس على الاستحقاق الرئاسي وقوله إن “أزمة الرئاسة طويلة”، عن السياق العام لموقف الحزب التعامل مع الاستحقاق ببرودة، وعدم تسهيل إنجاز الانتخاب من خلال التمسك بمرشحه للرئاسة العماد ميشال عون على حساب المرشح الآخر من فريق الثامن من آذار النائب سليمان فرنجية، من دون الحسم بينهما، بل ترك الأمور تأخذ مداها على قاعدة أن الاستحقاق مسيحي بامتياز، وعلى المرشحين التفاهم في ما بينهما، وان العوامل الإقليمية المنتجة للتسوية لم تتضح بعد.
ولكن مع قرب انتهاء السنة الثانية على الشغور في سدة الرئاسة، لم يعد خافيا أن ساعة الاستحقاق لم تحن بعد وان ظروف انتخاب رئيس جديد لم تنضج. والواقع أن ملء الوقت الضائع والفراغ من خلال التلهي بملفات داخلية يبرز العجز المتمادي للتركيبة السياسية على الحكم، ويدفع أكثر نحو مزيد من الانهيار وانحلال مؤسسات الدولة تمهيدا للوصول الى مرحلة تصبح فيها الحاجة ملحة الى اعادة تكوين سلطة جديدة وفق نظام سياسي قادر على الحكم، يأخذ في الاعتبار القيود والعقد التي حكمت البلاد في حكم الفراغ.
لم يعد المؤتمر التأسيسي الذي أطلق شرارته الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله قبل أعوام مجرد فكرة أو اقتراح، ولم يعد الكلام على المثالثة مجرد هواجس أو مصدر قلق للوسط المسيحي الذي بات يلمس لمس اليد الخطر الذي يتهدد الشراكة الوطنية بين المسيحيين والمسلمين.
لا يتوقف تهميش المسيحيين على إبقاء الموقع المسيحي الاول في الدولة فارغاً، بل ينسحب على نزع ما تبقى من صلاحيات قليلة أبقاها له دستور الطائف بعدما سحب الصلاحيات الاستثنائية من يد الرئيس المسيحي ووضعها في يد رئيس الحكومة.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أبرزت الممارسات الأخيرة انتزاعا تدريجيا لمواقع مسيحية. فمن موقع المدير العام للأمن العام الى المدير العام لجهاز أمن الدولة، آخر الملفات المفتوحة، مرورا بموظفين في عدد من الوزارات، لم تنجح المناشدات المسيحية في منع التشكيلات والمناقشات في شأنها.
والمفارقة أن استهداف المواقع المسيحية انسحب أيضا على مواقع سنية في إطار ما فسرته مراجع سياسية بأنه انتزاع تدريجي كذلك لمكامن السلطة من يد الطائفة.
ويكفي النظر الى انتقال القرار المالي الذي ظل لعقود في يد الطائفة السنية الى الطائفة الشيعية في وزارة المال، حيث يحمل وزير المال حق التوقيع الثالث الى جانب رئيسي الجمهورية والحكومة. يترافق ذلك مع السلطة التي يملكها المدعي العام المالي.
وبهذا، يصبح التقاسم الجديد للسلطة أمرا واقعا، لا يحتاج تكريسه الى الورق ما دام محكوما بميزان القوى المفروض على أرض الواقع.
لا تبدو الانتخابات البلدية والاختيارية التي تبدأ أولى دوراتها مطلع الشهر المقبل إلا مسرحا لصرف النظر عن دخول الفراغ الرئاسي عامه الثالث من دون أي أفق مفتوح على حلول أو تسويات قريبة.
حتى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لم يتمكن من إغداق وعد أو إعطاء فرصة أو احتمال، ولو ضئيلا، بإمكان الإفراج عن الرئاسة. فمحادثاته مع الراعي الايراني في شأن الاستحقاق اللبناني لم تكن مرة مثمرة، في حين ينقل بعض من تسنى لهم لقاء المسؤول الفرنسي تشاؤمه حيال مستقبل النظام السياسي في لبنان.
وهذه حال غالبية الغربيين المتابعين للملف اللبناني الذين باتوا يلمسون أن الوصول الى إجراء انتخابات رئاسية لا تزال دونه عقبات ذات صلة بالنظام السياسي القائم.
وفي حين تستمر المملكة العربية السعودية في ضغطها على لبنان رغم كل المحاولات والجهود التي يبذلها رئيس الحكومة والفريق السياسي القريب منها من اجل عدم تخلي المملكة عن لبنان، لا يمر أسبوعان إلا يزور لبنان مسؤول إيراني بيروت في إطار مواكبة الوضع اللبناني عن كثب. علما أن رئيس الحكومة كان نُقل اليه خلال وجوده في اسطنبول رغبة إيرانية في لقائه.
ولا تخفي المراجع السياسية في هذا الإطار تخوفها من أن يؤدي الانسحاب السعودي من لبنان الى التخلي عن الدستور الذي يرعى الحياة السياسية في لبنان والمنبثق من وثيقة الطائف.