Site icon IMLebanon

أزمة نظام

ما زال لبنان منذ سنة وشهرين يتخبّط في أزمة استحقاق رئاسة الجمهورية، وقد يستمر بعد مثل هذه المدة وربما أكثر والسبب معروف وهو أن فريقاً من النواب ينتمي إلى 8 آذار يقاطع مجلس النواب فيعطّل نصاب الثلثين الذي نص الدستور على وجوبه لعقد أول جلسة نيابية لانتخاب رئيس جمهورية، ولعلّة في النظام يتمسك رئيس مجلس النواب بهذا النص ويمنع بدوره مجلس النواب من الانعقاد في جلسة انتخابية ويدير ظهره لنواب فريق 14 آذار الذي واستناداً الى النصوص الدستورية نفسها يقول لرئيس المجلس بأن مجلس النواب بعد الجلسة الأولى التي حضر فيها الثلثان يصبح في حالة انعقاد دائم إلى أن يتم انتخاب الرئيس، مما أوقع البلاد في أزمة نظام.

صحيح أن الدستور اللبناني أخذ من دستور الجمهورية الفرنسية الثالثة التي وضع في العام 1774 أي بعد انتصار الثورة الفرنسية وهو مبني على قاعدة فصل السلطات وتوازنها وتعاونها بحيث لا يبقى سلطة تطغى على السلطات الأخرى كالسلطة الاجرائية والسلطة القضائية، ولبنان كرّس هذه القاعدة في اتفاق الطائف بعد الحرب الأهلية، لكنه رجح في النصوص التي تحوّلت إلى دستور كفة مجلس النواب عندما حصر حق السلطة الاجرائية أي الحكومة برئاسة رئيس الجمهورية وحل المجلس إلا في حالات نادرة جداً إلى درجة تبدو مستحيلة كأن لا يجتمع طيلة مُـدّة انعقاده في دورة عادية لدرس وإقرار الموازنة، وبذلك تحول النظام الذي وضع في الطائف إلى نظام مجلسي يطغى على بقية السلطات من دون أن يخشى حلّه، فهو وفق الدستور يحاسب الحكومة، ساعة يشاء وبإمكانه أن يسقطها ساعة يشاء أيضاً من دون أن يخشى على نفسه من الحلّ.

وبدلاً من أن يحافظ رئيس المجلس على مبدأ فصل السلطات وتعاونها وتوازنها كما نص عليه اتفاق الطائف ودستور الجمهورية الفرنسية الثالثة ومن ثم الرابعة تمادى في تجاوزه للدستور متخذاً من عجز السلطة الاجرائية عن حلّه إلا في الحالات النادرة والمستحيلة كما حصل بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 2006، وكما هو حاصل هذه الأيام، الأمر الذي جعل البلاد بلا رئيس طيلة سنة وشهرين والحبل على الجرار وبذلك يصبح إتفاق الطائف والدستور الذي انبثق عنه بحاجة إلى إعادة النظر ليتحقق التوازن الدقيق بين السلطات ولا يبقى كما هو الآن.

أعرف أن البعض سيتصدى لهذه النظرية ويقول أن البلاد لم تدخل بعد في أزمة النظام ولن تدخل إذا ما طبق اتفاق الطائف بدقة ولا يطبق استنسابياً كما هو واقع الحال بالنسبة لأزمة الانتخابات الرئاسية، وبذلك يكون هذا البعض قد اعترف ضمناً بوجود أزمة نظام يتحمّل مسؤوليتها اتفاق الطائف الذي اجتهد كثيراً في فصل السلطات فوقع وأوقع البلاد في أزمة النظام المجلسي الذي استخدمه الرئيس برّي بشكل جيّد مما جعله الحاكم الفعلي في البلاد يختار هو السلطة الاجرائية ويسقطها ساعة يشاء، كما يتحكم بالاستحقاق الرئاسي دون أن يخشى أي عقاب بإقدام السلطة الاجرائية على حلّه.