بعد الإجتماعين اللّذين عُقدا مؤخراً في كل من جدّة في المملكة العربية السعودية برعاية أميركية وطهران في ايران برعاية روسيّة، وجرت فيهما دراسة العديد من قضايا المنطقة، يحق للبنانيين بل ينبغي عليهم ان يسألوا ويتساءلوا: اين هو موقع لبنان في هذين المؤتمرين؟ هل هو موقع البلد الغائب والمغيب قولًا وفعلًا أم هو في الحقيقة موقع البلد الغائب الحاضر إذا لم يكن على مقاعد المشاركة ففي عمق الأذهان والتقديرات والحسابات والجيو- سياسية.
1 – يؤكد علماء الجغرافيا السياسية أن موقع لبنان الجغرافي هو في صلب المنطقة من خريطة العالم التي تتمتع «بقيم ثابتة ومستمرة عبر التاريخ» كما يصفها فريدريتش راتزل ابو الجيوبوليتيك المعاصر. هذا يعني عملياً ان كل تصنيف جيو- سياسي لمنطقة الشرق الأدنى ينبغي ان يأخذ واقع لبنان بالاعتبار.
2 – ان دارسي المنطقة جيو- سياسياً توصّلوا الى خلاصة مفادها: ان من يسيطر على لبنان يسيطر على سوريا. ومن يسيطر على سوريا يسيطر على المشرق العربي. وكان كيسينجر قد استبق ذلك بالقول: ان السيطرة على لبنان تبدأ بالسيطرة على المسيحيين.
3 – ان لبنان هو افضل نموذج عالمي. بل يكاد يكون النموذج الوحيد للحياة المشتركة المسيحية – الاسلامية. وهو بذلك يجسد وثيقة الأخوة الإنسانية التي أصدرها قداسة البابا فرنسيس وسماحة أحمد الطيب شيخ الأزهر.
4 – صحيح ان قمة جدّة لم تدعُ لبنان الى المشاركة فيها. لكن لبنان كان موجوداً وحاضراً في اذهان وضمائر الدول المشاركة لأنه بلد لا يمكن التخلّي عنه. ولذا انصّبت اجتهادات المشاركين في مؤتمر جدّة على تحليل الوضعيّة اللبنانية (لبنان الكيان والدولة) في ما هي عليه، وما ينبغي ان تكون عليه، بكلمة الخروج من تحت الوصاية الايرانية الممثلة بـ»حزب الله» وسيطرته العسكرية على مرافق الدولة كافة.
5 – لقد أكّدت أميركا ودول الخليج مع مصر، الاردن، والعراق على أمور أساسية ذات صلة بالوضعية اللبنانية ومن أهمها: «دعم سيادة لبنان، أمنه واستقراره وجميع الاصلاحات اللازمة لتحقيق تعافيه الاقتصادي» كما دعت «جميع الأطراف اللبنانبة لاحترام الدستور والمواعيد الدستورية» وفي ذلك اشارة واضحة الى موضوع انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ودعا البيان جميع الاطراف المعنية بالوضعية اللبنانية الى «احترام الدستور والمواعيد الدستورية مع الاشادة بجهود أصدقاء لبنان، مع دعوة جميع أصدقاء لبنان للانضمام الى الجهود الرامية الى بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع أراضيها بما في ذلك تنفيذ أحكام وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة (1559) واتفاق الطائف من أجل ان تمارس سيادتها الكاملة فلا يكون هناك اسلحة إلّا بموافقة الحكومة اللبنانية ولا تكون هناك سلطة إلاّ سلطتها».
6 – باختصار يمكن القول ان بيان جدّة هو مختصر للنظرة العربية – الأميركية الى لبنان الكيان والدولة وهي نظرة كانت حاضرة في المؤتمر حتى ولو كان لبنان الرسمي غائباً عنه. ذلك ان لبنان الرسمي في ظروفه الحاضرة يعد محكوماً بأمر الولي الفقيه، إذ هو يخضع لـ»حزب الله» المسلّح الأمر الذي يجرّده من انتمائه العربي وهويته العربية ويجعله مجرّد مسيّر في فلك ايران مذهبياً وسياسياً وعسكرياً ويبعده عن واقعه الطبيعي الجغرافي والشرعي كعضو رائد وفاعل في المجموعة العربية.
7 – صحيح ان مؤتمر طهران بحضور الرئيس بوتين لم يتطرّق بالتفصيل الى الوضعيّة اللبنانيّة كما هي الحال في مؤتمر جدّه، ولكن محور المؤتمر أنصبّ على المشكلة السورية: بين التفكك والحفاظ على الكيانيّة التاريخيّة الكاملة لسوريا على جميع الجهات وخاصة تلك المتصلة بالعلاقة مع تركيا. ان الحفاظ على الكيانية السورية والدفاع عنها هو بذاته حفاظ على الكيانية اللبنانية والدفاع عنها لأن الكيانيتين مترابطتان منذ نشوء لبنان 1920 ونشوء سوريا 1927. وبالتالي يكون مؤتمر طهران، في بُعده الروسي وليس التركي ولا الايراني قد شهد لدولة لبنان بالبقاء رغم كل الظروف والمعوقات.
8 – إن تشديد قمة طهران على محاربة الارهاب في سوريا هو محاولة مستترة لتجهيل الفاعل ولتغيير الهدف. ذلك ان الدول الثلاث لم يبق لديها ما تفعله او تدافع عنه في أمور المنطقة خارج الأهداف والتطلعات التي ذهبت اليها أميركا والدول العربيّة. لذا حصرت قمة طهران همّها في أمور محدّدة: محاربة الارهاب، مواجهة تجارب الحكم الذاتي ببعده الانفصالي، العمل على منع تهديد الأمن القومي للدول المجاورة لسوريا… وفي مقدمها لبنان.
في خلاصة كل ذلك، تحضرني «جملة مفيدة» ونبويّة قالها منذ مدّة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان وهي تقول حرفيًا «تحوّل حزب الله الى حزب سياسي هو المفتاح لاستعادة لبنان سيادته واستقلاله».
هل هناك من يسمع؟
وهل هناك من يصغي لنداء التاريخ؟!
.. حبّذا!!