وقت تمتد الجسور بين طهران والعواصم الغربية وخصوصا واشنطن، نراها تتقطع بين ايران والسعودية. تتصالح الجمهورية الاسلامية مع الشيطان الاكبر وتسوء علاقاتها مع الجيران الخليجيين الاقرب اليها. وفي المقابل تعيش اسرائيل أجمل لحظاتها بعدما اتسع نطاق تعاونها الامني مع أكثر من بلد عربي. انه اقليم الغرائب والعجائب وكل شيء فيه ممكن!
أوجه الشبه بين ايران والسعودية كثيرة، كلتاهما لاعب كبير في الاقليم، وكلتاهما تعتمد على مصادر الطاقة لبناء القوة والنفوذ، وكلتاهما تستند الى الحكم الديني أساساً للمشروعية السياسية وتستخدم السلاح المذهبي للتمدد خارج حدودهما، في حين تقمع اقلية مذهبية داخلها. المشكلة بينهما أكبر من اعدام الداعية نمر باقر النمر، اذ انهما تتربعان على قمة لائحة الدول الاكثر دول تنفيذاً لاحكام الاعدام، وهما تبرران الاعدام بالفتاوى الدينية ذاتها. والمسألة أيضاً لا تتعلق بطبيعة المذهبين السني والشيعي، بل انه عرض قوة في ذروة صراع مصالح وسباق على النفوذ والادوار.
صحيح ان الطموح التوسعي لايران ولد حال استقطاب واستقطاب مضاد أشعل حرائق عدة في الاقليم. وساهم سعيها المحموم الى التمدد عبر ركوب مركب الخلافات والهواجس، في تقويض مصالح جيرانها وتهديد أمنهم ووحدة كياناتهم. لكن طهران لاتتحمل وحدها تبعة “خراب بصرة” العرب وتهديد نسيجهم الوطني، ذلك ان فساد الانظمة العربية واستبدادها وتبعيتها للخارج واهمالها لقضاياها الكبرى، كان لها “الفضل” الكبير في جعل الخريطة العربية ثوباً مهترئاً يسهل تمزيقه. والسعودية التي قادت مع مصر وسوريا هذه المنظمة لعقود، لا يمكنها التنكر من مسؤوليتها هذه.
ايران دولة كبيرة ومؤثرة في الاقليم ومن حقها ان تكون ذات دور ونفوذ، لكنها بطموحها الى الاضطلاع بالدور الاول تجازف بتبديد علاقاتها ليس فقط مع الخليجيين بل مع رهط واسع من الدول الاسلامية ذات اللون الطائفي الواحد. والسعودية أيضاً دولة كبيرة ومؤثرة في الاقليم ومن حقها أيضاً ان تكون ذات دور ونفوذ، لكن شطبها أدوار الاخرين ليس من شأنه إلاّ اذكاء التوترات والحرائق واجهاض التسويات التي يعمل عليها دوليا لتهدئة الازمات الصاخبة في سوريا واليمن وليبيا ومحاربة الارهاب.
ولان الازمات في المنطقة تتجاوز مشكلة أو حادثة بعينها الى لائحة طويلة من القضايا الشائكة والمعقدة، ولان الاقليم أكثر تنوعاً وتعقيداً من ان تستقر أوضاعه بغلبة السلاح والحسابات المذهبية، فان محاولة الغاء الاخرين والتفرد بالقرار وهم مطلق والاستقطاب المذهبي ليس إلاّ تعبيراً عن تراجع الدور… بكلام اخر، لا السعودية يمكن الاستغناء عنها ولا ايران يمكن استبعادها في أي حل، لكن قدراتهما معا، والخطى التي تسيران عليها، لاطائل منها وحدها في التصدي للحجم الهائل من البلاء الذي يصيبنا، وأساسه الطائفية والجهل والتسلط.