IMLebanon

ظروف إقليمية لقانون إنتخاب جديد

لا تحمل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أفكاراً كثيرة للشرق الأوسط. فعدا مشروع محاربة الإرهاب ليس هناك الكثير لتقدّمه حول آفاق التسويات. صحيحٌ أنّ ترامب دعا إلى إقامة «مناطق آمنة» في سوريا، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ هذه الدعوة بقيت فارغة من أيّ مضمون وهي جاءت لأسباب أخرى.

كان لافتاً أن تتزامن هذه الدعوة مع القرار القاضي بمنع رعايا سبع دول من دخول الولايات المتحدة الاميركية، ما أوحى أنّ دعوة ترامب أريد لها أن تشكّل عاملاً مساعداً لإمرار قرار منع الدخول.

وجاء ما نقلته شبكة «سي.إن. إن» الاميركية عن أحد الجنرالات الكبار في الجيش الاميركي ليؤكد أنّ المهمة الوحيدة في سوريا هي بمحاربة «داعش»، أما إقامة مناطق آمنة فأمر غير موجود ويتعارض مع الواقع العسكري للجيش الاميركي في سوريا، كون تنفيذه سيتطلّب زيادة القوات الاميركية إضافة الى زيادة طائرات سلاح الجوّ والآليات ورسم خطط وتفاهمات ميدانية لضمان هذه الخطوة، وهذا غير متوافر في هذه المرحلة خصوصاً أنّ القرار السياسي لا يزال بمحاذرة التورّط مباشرة في سوريا.

وهذا الكلام يتقاطع، ولو من بعيد، مع الاعتراض الذي أبدته موسكو على أيّ مشاريع لها علاقة بإقامة «مناطق آمنة»، في وقت يبدو من المستحيل الشروع في خطوات من هذا النوع من دون الحصول على مساعدة روسية كبيرة.

وهو ما يعني أنّ اولوية الملفات الاميركية الداخلية تبقى هي الاساس، وأنّ الملف السوري سيبقى تحت الرعاية الروسية، ولو بالتفاهم مع واشنطن من خلف الكواليس. لكن لا بدّ من الإقرار بأنّ مرحلة جديدة بدأت في المنطقة، أوجزها السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبكين خلال لقاء له بالقول تعليقاً على وصول ادارة أميركية جديدة: «لقد انتهت مرحلة قلب الانظمة والحكومات القائمة في الشرق الاوسط، وبدأت مرحلة جديدة تقوم على التفاهمات السياسية لبناء المستقبل، لكنّها لا تزال في بدايتها وهي صعبة وطويلة وشاقة».

في سوريا تلتهب معارك «الأخوة» من اجل ضمان المقاعد في المعادلات الجاري تركيبها. فطالما أنّ الجميع يقرّ بأنّ الحرب بمعناها الكبير قد انتهت فإنّ ذلك يعني حكماً أنّ التوازنات الميدانية الداخلية يجب ترجمتها وفق معادلات سياسية.

ما يعني أنّ النزاع الفعلي الذي بدأ هو داخل الصف الواحد لتعزيز النفوذ وتكريسه. هكذا انطلق زعيم «جبهة النصرة» ابو محمد الجولاني لفرض بقائه داخل المعادلة من خلال ضمّ كلّ الفصائل المعارضة اليه بالقوة العسكرية وتحت شعار «توحيد البندقية».

في وقت تندفع تركيا لالتقاط اوراق تمثيل كلّ أطياف المعارضة، وفي الوقت نفسه إجهاض الطموح الكردي بتكريس منطقة حكم ذاتي وتوسيع حدودها، اضافة الى محاولة تكريس نفسها عامل توازن مع ايران.

في المقابل، حذرٌ روسي – ايراني يُخفي في طياته تسابقاً على استمالة التركيبة السورية الحاكمة.

وقد يكون الاكراد والفصائل المعارضة، وحتى تركيا، يميلون الى نظام فدرالي من خلال اقرار توزيع جديد للسلطة. وقد تكون روسيا مؤيّدة لذلك فيما النظام السوري ومعه ايران يرفضان الذهاب في هذا الطريق، ولو انهما يقرّان بإعادة صوغ الصلاحيات وتوزيع المسؤوليات على مستوى الحكومة.

وعلى مقربة من الحدود السورية، معارك ضارية في الموصل أصرَّ «الحشد الشعبي» على المشاركة فيها ليضمن عدم قيام منطقة نفوذ سنّية بعد زوال «داعش»، وبالتالي تعزيز المطالبة داخل الجسم العراقي بالذهاب الى صيغة فدرالية الى جانب مطالبة الاكراد.

ربما الصعوبة التي تحدّث عنها زاسبكين لها علاقة بإدراك الجميع أنّ ملفات التفاوض والتسويات في سوريا والعراق ليست أبداً منفصلة، بل إنّ المطروح هو أيّ تعديل في منطقة لا بدّ أن يلازمه تعديل في منطقة أُخرى من دون أن تشكل الحدود الدولية عائقاً. وهذا الكلام لن يعني حصر التفاوض والمساومة بالعراق وسوريا ولبنان واعتبارها سلة واحدة، بل يشمل ايضاً اليمن والصيغ المطروحة له.

وسط ذلك يبدو ساذجاً مَن يعتقد أنه قادر على إنتاج «ترقيع» انتخابي في لبنان يسمح بإبعاد الملف اللبناني من الورشة الصعبة التي دخلت المنطقة اليها لتوّها.

ورشة إصلاحات انتخابية يمكن أن تنجح في حال واحدة، وهي اعتماد النظام النسبي معياراً انتخابياً وحيداً في كلّ لبنان. تماماً كما الانتخابات الرئاسية التي لم يفتح بابها المقفل بعناية إلّا بعد الإقرار بتسوية سمحت بوصول المرشح الوحيد للفريق الآخر. حتى خيار المرشح الرديف سقط عندما حاول فريق تيار «المستقبل»، «التحايل» والالتفاف على الخيار الوحيد المتاح.

ولا يبدو اعتماد قانون جديد للانتخابات أقل أهميّة، لا بل على العكس. ذلك أنّ قانوناً جديداً سيعني اعتماده لثلاثة عقود مستقبلاً على الاقل، وسيعني ايضاً تكريس الطبقة الحاكمة لهذه الفترة المقبلة. ومشروع القانون المطروح حالياً، سيعني تكريس توازنات القوى نفسها للمراحل المقبلة، وهو ما يعني ضمناً «إقفال الصحن» اللبناني أمام أيّ تعديلات تحاكي التفاهمات القابلة للحصول في سوريا والعراق. وحدها صيغة النسبية الكاملة تُخرج الجميع من هذا الإحراج.

ومن دون الدخول في التفاصيل والاسباب والعقبات والملاحظات، فإنّ احتمالات التوافق على قانون خارج النظام النسبي الكامل تبدو صعبة لكي لا نقول معدومة، ومعه فإنه لا يمكن أحد اعتماد التمديد مرة جديدة للمجلس النيابي، خصوصاً أنّ المجتمع الدولي يصرّ على مبدأ استعادة مفهوم تداول السلطة، ولو وفق القانون المعتمَد حالياً، والذي لا يرى فيه موانع جوهرية لعدم اعتماده، لا بل على العكس فهو يرى فيه طريقاً لتثبيت التوازن السياسي بين مختلف الأفرقاء ما يعزّز الاستقرار الداخلي ويمنع تسلّل «المتطرّفين» الى داخل الدولة.

وعليه، هناك مَن يتوقع دخاناً كثيفاً يحجب الرؤية عن المشاريع الانتخابية المطروحة، وبالتالي إجراء الانتخابات النيابية في موعدها ووفق القانون الحالي وخصوصاً أنّ المشاريع البديلة المطروحة لا تختلف في جوهرها كثيراً عن جوهر القانون المعمول به حالياً، لا بل على العكس فهو يمنحها شرعية قانونية تسمح لها بالاستمرار طويلاً، في حال إقرارها، فيما القانون الحالي يحتضر شعبياً حتى ولو جرت الانتخابات المقبلة وفق شروطه وبنوده.