وحده خارج الصراع والتاريخ ! غالبية دول المنطقة بما فيها كيانات العالم العربي تعاني من أزمات مصيرية تندرج تحت عناوين الصراع على المصالح بين الدول، ومن أزمات داخل كل دولة نفسها بين مكوناتها السياسية، في صراع للوصول الى السلطة اما تحقيقاً للمبادئ والقيم، واما وصولاً الى الجاه والثراء! الخطر الأعظم الذي يهدد غالبية الدول والشعوب العربية بما فيها مصر، هو الخطر التكفيري مع عقيدته ومبادئه المتحجرة والمتخلفة، وأساليبه الوحشية والدموية والمدمرة. وهذا الصراع بكل أشكاله السامية والوضيعة هو جزء من حركة التاريخ… وفي المنطقة ثلاث دول اقليمية كبرى ونافذة، ولكنها مأزومة هي أيضاً، وإن بصور مختلفة ولأسباب متباينة…
***
أولى هذه الدول الاقليمية الكبرى والمأزومة هي اسرائيل. وهي على الرغم من مضي نحو ٦٧ سنة على قيام كيانها في فلسطين بالقوة والقهر والتآمر الدولي، فإنها لا تزال في نظر محيطها وبعض العالم الخارجي، دولة مغتصبة ومحتلة وخارجة على القانون الدولي، ولكنها تستمر بفرض سلطتها الظالمة بالعنف، وبممارسة أسوأ أشكال التمييز العنصري. ومن أسوأ كوابيسها أن الشعب الفلسطيني المحتل لا يستسلم، وكل جيل فلسطيني يأتي يكون أكثر شدة وإصراراً على التحرر من الاحتلال، وإقامة دولته المستقلة. ومن يقود هبّة الطعن في الأراضي الفلسطينية المحتلة قديماً، وحديثاً هو جيل من المراهقين والشبان صغار السن الذين لم يعايشوا معاناة أجدادهم من المجازر الاسرائيلية والتشرد.
***
الدولة الاقليمية الثانية الكبرى المأزومة هي تركيا في ظل الحكم الديني الاخواني الذي يحكم تحت ستار نظام علماني ديموقراطي كما هو في الأصل. ونشوة الرئيس رجب طيب اردوغان بفوز حزبه العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية الأخيرة، هي في الظاهر انتصار، ولكنه في العمق يحمل في طياته جرثومة انهياره. لماذا؟ لأن الطبيعة الايديولوجية لهذا الحزب الحاكم تقوم على الاستئثار بالسلطة ورفض الآخر، بل ورفض تداول السلطة، وهو في صلب النظام الديموقراطي. وعاجلاً أو آجلاً، سيجد اردوغان وحزبه نفسيهما في جانب، وكل الشعب التركي من غير الاخوان في جانب آخر… ويوماً ما سيهبّ الشعب التركي في وجه التسلط الاخواني لاسقاطه، على غرار ما حصل في مصر مع حكم الاخوان والرئيس المخلوع محمد مرسي… وقد يظهر أتاتورك آخر يعيد تصويب المسار والمصير!
***
الدولة الاقليمية الثالثة الكبرى هي ايران التي كانت من أولى الدول المأزومة في المنطقة، وقد نجحت الآن في الخروج من عنق الزجاجة، وأصبحت أزمتها الكبرى وراءها، وإن تكن لا تزال حتى الآن في بداية طريق صاعد، لم تكتمل صورته بعد. والمفارقة الصارخة هي أن هذه الدول الاقليمية الثلاث التي اعتمدت على بناء قوتها الذاتية بنفسها فإنها لجأت الى تحصين نفسها بتحالفات دولية، مثل اسرائيل المتحالفة بعمق مع أميركا، ومثل تركيا المتحصنة بعضويتها في الحلف الأطلسي. وايران أقامت أحلافاً صغيرة ولكن كثيرة، مع قوى شعبية في أنحاء المنطقة، تعويضاً عن غياب التحالف الكبير! غير أن أهم رافد قوة لهذه الدول الاقليمية الثلاث هو حالة التبعثر العربي، وغرق كياناته في حروب جاهلية معاصرة تقوم على مقولة عرب يقتلون عرباً… ومسلمون يقتلون مسلمين!
***
لبنان هو الدولة الوحيدة في المنطقة التي وضعت نفسها خارج صراع المبادئ الحضاري، وخارج التاريخ! وبينما تتصارع الدول على المصالح تحت عنوان العقائد والمبادئ، فإن القوى السياسية في لبنان تتصارع على المصالح تحت عنوان النفايات! ولبنان الذي كان يُعرف في زمن الأجداد بأنه سويسرا الشرق، فإنه يُعرف اليوم في زمن الأحفاد بأنه مزبلة الشرق! –