أوحت «الطحشة» الدابلوماسية الحاصلة باتجاه بيروت في الفترة الأخيرة، والتي تمثّلت بزيارة نائب وزير الخارجية الروسي وموفد الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، ومن ثم زيارة مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمبعوث الخاص لوزير الخارجية الفرنسي جان فرانسوا جيرو، والتي ستستتبع بزيارات لوفود خارجية، أن ضوءاً أخضراً أعطي لوضع ملف الإستحقاق الرئاسي على سكّة الحلّ من باب الإستقرار اللبناني.
وفي هذا السياق، تؤكّد مصادر سياسية مطّلعة على الحراك الديبلوماسي، أن الموفد الفرنسي ركّز في لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين على عنوان رئيسي، وهو ملف رئاسة الجمهورية، بحيث بدت زيارته بأنها تتقاطع مع مهمة المندوب الروسي، لا سيما وأن جيرو يتحرّك بين بيروت والرياض وطهران بتنسيق مع واشنطن وروسيا. الأمر الذي يعني أن لا عوائق خارجية أمام التوصّل إلى انتخابات رئاسية، لا بل على العكس، هناك تشديد خارجي لإخراج الملف الرئاسي من عنق الزجاجة، والدعوة إلى «لبننة» الإستحقاق وإنجازه في أسرع وقت ممكن، خصوصاً وأنه من الضروري الحفاظ على اتفاق الطائف، في ظل المطالبات المتكرّرة من أكثر من طرف داخلي، لا سيما في قوى 8 آذار لعقد مؤتمر تأسيسي في مرحلة هي من أكثر المراحل خطورة. مشيرة إلى أن الخلاف الدولي ـ الإقليمي الذي يكاد يكون على كل الملفات المطروحة، لا يشمل لبنان، حيث يرغب الجميع بضرورة الحفاظ على الإستقرار اللبناني الذي من أهم دعائمه إنهاء الفراغ الرئاسي والتوافق السياسي.
ورأت المصادر، في طبيعة المشاورات التي أجراها الموفد الروسي دلالة على حراك روسي في المنطقة تحت عنوان الصراع السوري، والسعي إلى إعادة إطلاق مساعي الحل السياسي، ومن ضمنه مقاربة، ولو سريعة ومختصرة، للواقع اللبناني الذي يعاني من الإرتدادات الأمنية والإجتماعية للصراع الدامي الدائر في سوريا. وأكدت المصادر أن أكثر من رسالة حملها بوغدانوف إلى المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم، ولكنه رفض الإفصاح عن الجانب الأساسي فيها، وهو موقف بلاده من تعطيل عملية انتخاب رئيس للجمهورية، واستمرار الإشتباك الداخلي إزاء الحرب السورية، وبالتالي، الإرتباط الوثيق بين الأزمات المحلية والوضع الإقليمي.
وعلى الرغم من أن الإهتمام الروسي ينصبّ راهناً على دعم المبادرة الأممية لتجميد القتال في حلب كمقدّمة قبل العودة إلى طاولة التفاوض بين الأطراف السورية المعارضة والنظام السوري، فإن المصادر كشفت أن تعليق الديبلوماسي الروسي لدى سؤاله من قبل القيادات اللبنانية عن الإستحقاق الرئاسي، لم يتجاوز مستوى التأكيدعلى ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية أولاً، والإعلان أن إدارة بلاده تقف على مسافة واحدة من كل المرشّحين إلى هذا المنصب ثانياً، تأكيده مشدداً على أهمية، أو حتى ضرورة الفصل ما بين الوضع الإقليمي والإستحقاق الرئاسي اللبناني.
كذلك اضافت المصادر الديبلوماسية المطّلعة نفسها، أن نائب وزير الخارجية الروسي اطّلع على مناخ الحوار الذي سينطلق في وقت قريب بين تيار «المستقبل» و«حزب الله»، وتطرّق بشكل مسهب مع أكثر من مسؤول التقاه في فريقي 8 و 14 آذار إلى أولوية تحصين وحماية السلم الأهلي والإستقرار، من خلال تشجيع التلاقي بين التيار الأزرق و«حزب الله»، والدفع لإنجاح وإنضاج ظروف التوافق الداخلي، رغم كل التباينات السياسية. واعتبر بوغدانوف أن الحوار يعتبر ضرورة الوصول إلى مواجهة التحدّيات الإقليمية التي ترتدّ بشكل مباشر على الساحة اللبنانية، وعلى أكثر من صعيد، وخصوصاً على المستوى الأمني، وذلك في ضوء ما واكبه من مناخات غداة جريمة إعدام الجندي في الجيش اللبناني علي البزّال من قبل جبهة «النصرة» منذ أيام قليلة.
وفي سياق متصل، لاحظت المصادر الديبلوماسية ذاتها، أن الموقف الرسمي الروسي، والذي عبّر عنه بوغدانوف في بيروت، يتقاطع مع الموقف الغربي المدعوم من الفاتيكان، والداعي إلى عزل استحقاق رئاسة الجمهورية عن أزمات المنطقة وإجراء الإنتخابات الرئاسية توازياً مع السعي لإنجاح الحوار، وذلك بهدف التأسيس لاتفاق شامل يُبعد شبح الإنهيار والفوضى الأمنية عن الساحة الداخلية. هذا بالإضافة إلى الموقف الإيجابي الذي سُجّل لتيار «المستقبل» الذي رحّب فيه بالتحرّك الروسي، معتبراً أنه يأتي في سياق منعزل عن الخلافات على الساحة الدولية، ويوحي بوجود تقاطع دولي وإقليمي على تحييد الوضع اللبناني عن كل ما هو حاصل في المنطقة الشرق أوسطية. واعتبرت أن هذا المناخ الإيجابي يشي بوجود ضوء أخضر سعودي بالتعاون مع الجهود التي تقوم بها روسيا في المنطقة سواء على الساحة اللبنانية أو على الساحة السورية لجهة دعم المبادرات الجارية لوقف إطلاق النار في حلب وإفساح المجال أمام مفاوضات جديدة في إطار «جنيف 3».