هل اعتاد اللبنانيون على الشغور في قصر بعبدا؟ كل المؤشّرات تدلّ اليوم، وبعد الجلسة الأخيرة لانتخاب الرئيس والتي لاقت مصير سابقاتها من عدم الإكتراث، تدلّ على أن لبنان دخل مرحلة جديدة من الشغور، وذلك في موازاة الإنشغال الشعبي والرسمي بالتطوّرات الأمنية على الحدود الجنوبية، فتراجعت كل الملفات وفي مقدمها الإستحقاق الرئاسي، كما الحوار الداخلي، وحتى الحرب على الإرهاب. فقد كانت الآمال معلّقة للخروج من حال الفراغ على الحوار بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» من جهة، والحوار غير المباشر بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع من جهة أخرى، لكنها اصطدمت بالعوائق الناتجة عن العدوان الإسرائيلي وردّ «حزب الله» السريع، والتداعيات الداخلية والخارجية لهذا التطوّر الخطير.
وفي هذا السياق، تحدّثت مصادر وزارية سابقة عن سيناريوهات مقلقة تنتظر البلاد في المرحلة المقبلة، خصوصاً وأن الفريقين المتحاورين يرهنان قرارهما السياسي الداخلي لمجموعة عوامل إقليمية، ويعوّلان عليها لتحقيق غلبة مشروعهم على الفريق الآخر، فيما الأفرقاء المسيحيون ما زالوا في مرحلة التراشق «الإعلامي» ولو كان غير مقصود من طرف تجاه الآخر، كما حصل مع النائب ستريدا جعجع وتلفزيون الـ«أو تي في». ولم تخفِ المصادر تخوّفها من أن لا تشهد جلسات الحوار على أكثر من محور، أية خواتيم سعيدة. معتبرة أن ما يحصل لا يخرج عن كونه محاولة الأطراف اللبنانية ملء الفراغ وتقطيع الوقت في انتظار نضوج «طبخة» الحلول الإقليمية والدولية بين القوى الفاعلة والمؤثّرة، في غضون الأشهر الآتية، إذ أن الأوضاع المتحرّكة على الأرض في أكثر من بقعة في المنطقة، لا توحي بأن الأمور وصلت إلى لحظة بات يمكن فيها الحديث عن فرض شروط أو إبرام تسويات، تعكس ميزان القوى الإقليمي.
وأشارت المصادر نفسها إلى معطيات سياسية وأمنية وميدانية تشير إلى متغيّرات استراتيجية قريبة، تصبّ في خانة إعادة رسم خطوط المواجهة الإقليمية، حيث من المفيد ترقّب المواقف الفعلية لبعض الدول من الأزمة السورية، وتحديداً روسيا التي لا يبدو أنها تسير على الموجة ذاتها بالنسبة إلى حل الأزمة السورية، كما باقي الأطراف الدولية والعربية. إذ أن موسكو تعتبر أن مؤتمري جنيف اللذين انعقدا لوضع التسوية السياسية للأزمة السورية على سكة الحل، قد فشلا في الوصول إلى أي نتيجة، وذلك خلافاً لما بدأ يتبلور بعد المشاورات الأخيرة في موسكو، وإن كانت الأطراف المعارضة التي شاركت فيها لم تتحدّث عن أي خرق في جدار الأزمة السورية. لكنها أكدت أن التأييد الغربي والدعم الأميركي بشكل خاص للمبادرة الروسية يجعل منها السبيل الوحيد اليوم لإخراج حرب سوريا من النفق الأسود الذي دخلته.
لكن المصادر ذاتها، استدركت أن عمر هذه الأزمة ما زال طويلاً، ومن الصعب العودة إلى آلية سياسية لغض النظر عن مصدرها، بهدف دفع كل الأطراف للجلوس على طاولة واحدة، لأن وجهات النظر ما زالت بعيدة، ومناخ الثقة مفقود بالكامل، وبالتالي من الصعب الحديث عن أي محادثات في المستقبل القريب. وانطلاقاً من هذا المشهد، فإن الصراع السوري بدأ يدقّ بقوة أبواب الساحة اللبنانية بعد الهجمات الأخيرة لـ«داعش» على ثلاثة محاور في البقاع الأسبوع الماضي، مما يدفع نحو المزيد من التشاؤم والسوداوية في المشهد اللبناني في الأيام الآتية.
وخلصت المصادر نفسها إلى أن إجراء الإنتخابات الرئاسية من الآن وحتى الربيع المقبل يبدو صعباً، ولكن من الممكن إتمامها خلال العام 2015، وأما الأكيد فإن التطوّرات الإقليمية هي الناخب الأكبر في الرئاسة.