على رغم التوقعات التي سادت منذ اشهر بأن التحرك نحو أزمات المنطقة هو رهن انجاز الاتفاق النووي بين الدول الغربية الكبرى وايران، فإن الاسبوع المنصرم حمل مجموعة مفاجآت خصوصا ان الرهانات كانت قوية على جملة امور معاكسة. فمن جهة سادت اقتناعات انه سيصعب على الادارة الاميركية الالتفات نحو الازمات المتفاعلة في المنطقة وابرزها الازمة السورية لاهتمام الرئيس باراك اوباما بمحاولة الحصول على موافقة الكونغرس الاميركي على الاتفاق مع ايران وبتثبيت انجاز انهاء العداء معها قبل انتهاء ولايته الثانية. اذ استبعد اوباما نفسه في حديث صحافي حل النزاع في سوريا قبل رحيله عن البيت الابيض كما استبعد امكان القضاء على تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والعراق قبل ثلاث سنوات ما يضمر ان لا حل سوريا قبل مغادرته البيت الابيض في نهاية 2017. كما ان التوتر الاقليمي الذي ساد المرحلة التي سبقت التوصل إلى الاتفاق النووي ولا يزال على خلفية تدخل ايران في الدول العربية ورعايتها تنظيمات ساهمت في زعزعة الاستقرار في هذه الدول لم يترك المجال واسعا امام تكهنات ايجابية في شأن امكان حصول تقارب اقليمي في المدى المنظور. اضف إلى ذلك ان التوتر الاميركي الروسي على خلفية ازمة اوكرانيا لا تزال تتفاعل سلبا مع استمرار العقوبات الاميركية على روسيا بحيث شكل التعاون الاميركي الروسي في التفاوض مع ايران على ملفها النووي اختراقا نوعيا للتوتر في العلاقات بين الجانبين لم يتوقع كثر ان يتطور في المدى المنظور إلى وضع الازمة السورية على بساط البحث بسرعة. لذلك سادت توقعات على نطاق واسع ان لبنان قد يتقدم على سوريا لجهة المساعدة في حل ازمته باعتباره اقل تعقيدا ولان وضع ازمة سوريا على طاولة البحث قد يستغرق طويلا بحيث لا يمكن للاستحقاقات اللبنانية الانتظار.
في طريق عودته من جولة قادته إلى الصين الاثنين الماضي اعرب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن اعتقاده “ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتجه إلى التخلي عن (الرئيس السوري بشار) الاسد وانه لم يعد يشارك الرأي القائل ان روسيا ستقف إلى جانب سوريا حتى النهاية”. والواقع ان هذا بدا مثيرا للاهتمام كما للشكوك في الوقت نفسه اذ سبق ان صدرت مواقف مماثلة خلال الاعوام القليلة الماضية لم يلبث الروس ان اصدروا نفيا لها في شكل او في آخر، كما ان كثرا يخشون ان يكون أردوغان يعبر عن تمنياته المعروفة. الا ان هذا الموقف اكتسب اهميته من استباقه اجتماعا ثلاثيا في قطر جمع وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا والمملكة العربية السعودية جون كيري وسيرغي لافروف وعادل الجبير بحثت في خلاله الازمة السورية على اثر لقاء بين كيري ووزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي طمأنهم فيه إلى نتائج الاتفاق النووي وحظي بدعمهم له. وانتقلت الحركة الديبلوماسية إلى طهران على الاثر التي جمعت ديبلوماسيين روس ووزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي انتقل بعد ذلك إلى عمان على نحو اخرج النظام السوري من عزلته الاقليمية نسبيا قياسا إلى اقتصار علاقته في الاعوام الماضية على طهران وموسكو، فيما يزور وزير الخارجية السعودي العاصمة الروسية الثلثاء المقبل في ما يبدو انه يحمل معه ردودا على افكار تم اقتراحها في الاجتماع الثلاثي للازمة السورية من اجل مناقشتها مع المسؤولين الروس. اذ يبدو ان وطأة تنظيم الدولة الاسلامية تضخم إلى الحد الذي لا يمكن معه الدول المعنية والمؤثرة في الازمة السورية الاستمرار جنبا إلى جنب مع انهيار قدرات النظام السوري على الاستمرار والمواجهة وفق ما توضح المجريات الميدانية وباقرار النظام نفسه عن تراجع قوته المتبقية لحماية ما تبقى من المناطق تحت سيطرته. في الوقت الذي لا ينفصل البحث الجدي في القضاء على داعش من دون وضع مصير الرئيس السوري وحاشيته من المقربين على بساط البحث الجدي باعتبار انه يشكل العقدة الاساسية امام اي حل.
بالنسبة إلى مصادر سياسية لبنانية، فان الوسط السياسي حبس انفاسه على قاعدة ان الوضع اللبناني بات في حكم المؤجل ما دامت الافكار الجدية تدور حول مراحل حل سوري ومعها مصير الاسد. ومع ان خطوة التمديد للقيادات الامنية كانت متوقعة قبل 7 آب اي قبل انتهاء ولاية رئيس الاركان في الجيش، فان التمديد الذي حصل في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء اكتسب في الشكل كما في المضمون ابعادا لا تنفصل عن مجريات التطورات الاقليمية الاخيرة. وعلى رغم حسابات الربح والخسارة التي طفت على سطح تطورات هذه المسألة اي التمديد للقيادات الامنية، فان مصادر وزارية تقر بان المعطى الاقليمي ترجم نفسه في عدم افتعال التيار الوطني صخبا سياسيا اعتاد اللجوء اليه خلال الجلسة كما بعدها، كما ترجم نفسه في بيان كتلة الوفاء للمقاومة الذي لا يمكن ان يكون اكثر تعبيرا عن هذا المعطى الاقليمي من خلال قفزه فوق موضوع التمديد إلى التصويب على استمرار الشغور في موقع الرئاسة الاولى على نحو يكتسب دلالات من حيث مضمونه المقتضب الذي يقارب القليل من الامور بكثير من الحذر. وهو امر دفع بأحد وزراء 8 آذار للقول ان تمرير التمديد بالشكل الذي حصل كان مربكا لكنه كان مطلوبا اقليميا بقوة لتمرير المرحلة الراهنة بحد عال من الهدوء المطلوب.