تخَطَّت حادثة السعديات التي وقعَت فجرَ أمس بين عناصر من »سرايا المقاومة» من جهة، وأبناء السعديات من جهة أخرى، حدودَ الصدامات المناطقيّة، لتطرحَ أسئلةً عدّة عن فعاليّة الحوار بين تيار «المستقبل» و»حزب الله»، ومدى صمودِه في ظلّ المواجهة الإقليمية الكبرى، خصوصاً أنّه أوّل صِدام عسكري من هذا النوع منذ مدّة، وهل سيتطوّر أو سيكون غيمةَ صيفٍ عابرة نتيجة رفضِ الجميع تفجيرَ الوضع والانتقالَ إلى مواجهة سنّية – شيعية في لبنان؟.
لا يستطيع أحدٌ إخفاءَ الاحتقان المذهبي الحادّ بينَ السُنّة والشيعة، على رغم جولات الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله»، لكنّ هذا الحوار لم يدخل البيوتَ ويهَدّئ النفوسَ المشحونة ويخاطبْ وجدان العائلة الإسلامية المنقسِمة على نفسِها. فالهدوء المرحَليّ تُؤجّجه وتُغَذّيه أحداثُ سوريا والعراق والبحرين واليمن والكويت ومصر ولائحةٌ طويلة من التفجيرات والاجتياحات المتبادَلة، وتعيد إشعالَ النار الطائفية الخامدة تحت الرماد.
طريق بيروت – صيدا
يتميّز إقليمُ الخرّوب بأهمّية إستراتيجيّة تجعَل منه القابضَ على طريق صيدا – بيروت، فتلالُه تشَكّلُ موقعاً متقدّماً من الناحية العسكريّة، يَسعى «حزب الله» إلى تأمينها عبرَ التغَلغل وشراءِ الأراضي وإقامةِ تجَمّعات سَكنية، لكي يؤمّنَ طريق الضاحية الجنوبية – الجنوب. فيما يتّكلُ تيّار «المستقبل» على الإقليم ذات الأغلبية السنيّة كأحدِ أهَمّ معاقِله السياسيّة، ويَمنع اختراقَه، لذلك، لن يسمحَ بأن يكون للحزب موطئ قدَم فيه.
تعاني بلدةُ السعديات السنّية، حسبَ الأهالي، مِن محاولة «حزب الله» التمدُّدَ فيها. ففجرَ أمس، أطلقَت سيارة داكنةُ الزجاج وتابعةٌ للحزب، النارَ على محلّ أحدِ أبناءِ السعديات، فدارت اشتباكاتٌ استمرّت حتّى ساعات الفجر، وما لبثَ أن تدخَّلَ الجيش وطوَّق مكانَ الاشتباك، وسَيَّر دوريات مكثّفة وركّزَ حواجز ثابتة وظرفية في مختلف أنحاء المنطقة، ونَفّذ أيضاً عمليات دهمٍ بحثاً عن المتورّطين، وقد أصيبَ نتيجتَها أحد عناصره بجروح.
المصَلّى
يتعَجّب أبناء السعديات من تدهوُرِ الوضع، ويُحَمّلون المسؤولية إلى «حزب الله» الذي يَستفزّهم، «فالبلدةُ سنّية صرف، والدخولُ الشيعي إليها حديث العهد، ومنذ فترةٍ أقامَ الحزب مصَلّى مجَهّزاً بمآذن تبثّ نَدبيّات، ما دفعَ الأهالي إلى الاعتراض.
وبعد وساطاتٍ تمَّ إقفال المصَلّى، لكنّ الأهالي اكتشفوا لاحقاً أنّ المصَلّى المزعوم هو مركز أمنيّ للحزب، إذ خرجَ منه المسلحون وهاجَموا البلدة أمس». وهنا يَسأل الأهالي: «كيف يكون مكان الصَلاة مرتعاً للمسلّحين، ولماذا سيكون للحزب مراكز في بلدة سنّية؟».
رواية «الحزب»
ويروي «حزب الله» على لسانِ مسؤوله في جبل لبنان بلال داغر أنّه «منذ خمسة أشهرٍ افتَتحنا مصَلّى في مجمّع تعود ملكيةُ شققِه لنا ولغيرنا في السعديات، وتواصَلت الاتّهامات لنا بأنّه مخزَن سلاح، فدَعوناهم إلى الصلاة معنا، وعندما رأينا أنّ الأجواء هادئة، على رغم الحوادث التي تحصَل، وهي فردية، إرتأى أهالي المشروع (المجمع) وضعَ آذان في المصَلّى». وأوضَح أنّه «ليلة قرارِنا سحبَ الآذان، مرّت سيارة عند الثالثة فجراً وأطلقَت أكثر من 100 طلقة على المجمّع، وأبلغنا الأجهزة الأمنية وقيادة الجيش.
وتوالت الاعتداءات بعدها من شبّان السعديات على شباننا. ومنذ يومين ضرَبوا شابّاً سوريّاً يَعمل لدى شبابنا، وأبلغنا القوى الأمنية. وأمس أطلقَت سيّارة قبل الثانية عشرة النارَ، وكما قالوا على الكوخ الذي يملكه محمد الأسعد، وفي اللحظة التي كان الشباب يبَلّغونني بالحادثة، ما هي إلّا دقيقة ونصف حتى بدأ إطلاق النار على شققِنا، لذلك نَعتبر الحادثَ مفتعَلاً ومدَبَّراً».
واعتبَر داغر أنّ «التراخي مع هذه المجموعة هو مِن القوى الأمنية، وغطاؤها السياسي والديني تأخذه مِن شخصيات دينية وسياسية في الإقليم، وعدم محاسبة الأجهزة بجدّية أوصلَ الأمور إلى ما وصلت إليه».
«المستقبل»
يُحَذّر عضو كتلة «المستقبل» النائب محمّد الحجّار من تصرّفات «حزب الله» في الإقليم وكلّ لبنان، ويقول لـ»الجمهورية»، إنّ «الحزب يَنشر مراكزَ عسكرية تحت غطاء المصَلّى، مِن ثمّ يسَلّح «سرايا المقاومة»، وهَدفُه السيطرة على مداخل إقليم الخرّوب، وعلى طريق بيروت – صيدا، وهذا يَستفزّ الناس».
ويؤكّد الحجّار أنّ «أهالي الإقليم لن يَسكتوا على ممارسات الحزب الذي يتنقّل عناصرُه داخلَ البلدات ويُرهِبون الناس، وهذه الأفعال ستفتَح الجحيمَ وستَجرّ الناس الى مواجهات مفتعَلة تُغرق الجميع في لعبةِ الدم»، مطالِباً الدولة «القيامَ بواجباتها ومنعَ «حزب الله» مِن التمدّد عسكرياً، لأنّ السلاح يستجلبُ السلاح، وما حصَل في السعديات هو سَطوٌ وهجمةٌ مسلّحة اضطرّ الأهالي للردّ عليها».
دخول مباشَر
إذا كان البعض يشَبّه حادثة السعديات، بما حصلَ عندما طرد «المستقبل» وأهالي الطريق الجديدة رئيسَ حزب «التيار العربي» شاكر البرجاوي من منطقتِهم في ربيع 2013 وذلك لمنعِ الحزب من اختراق مناطقه عبر شخصيات سنّية، إلّا أنّ الحزب يَدخل مباشرةً على خطّ الإقليم، على رغم عدم وجود الطائفة الشيعية تاريخياً على الساحل بل في الأعالي، ولم يقتصر فتحُ المراكز الأمنية على السعديات بل إنّه حاولَ في وادي الزينة عبرَ استحداث مراكز لـ»سرايا المقاومة»، ما رفعَ منسوبَ التوَتّر في المنطقة.
واللافتُ أنّ الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» الذي تناوَل موضوعَ «سرايا المقاومة»، لم يصِل إلى نتيجة في هذا المجال على رغم نجاحه في ملفّات أخرى، وبالتالي فإنّ «المستقبل» انتقلَ إلى تحصين ساحته عبر تفعيل نشاطه في الإقليم ومنعِ أبناء الطائفة السنّية من أن يكونوا «حصان طروادة» للحزب.
وفي السياق، يؤكّد منسّق تيار «المستقبل» في جبل لبنان الجنوبي محمّد كجك لـ«الجمهورية»، أنّ «حادثَ السعديات يمثّل اعتداءً واضحاً من الحزب على الأهالي، ويأتي من باب إصرار الحزب على إرباك المنطقة وإدخالها في دوّامة الصراعات، وهذا أمرٌ لن نسكتَ عنه، خصوصاً مع تزايد فتحِ مراكز أمنية تحت مسَمّيات دينية أو ما يعرَف بـ«سرايا المقاومة»، مشيراً إلى أنّه «مِن اللحظة الأولى لحصول الاشتباكات، اتّصَلنا فوراً بقيادة الجيش وقوى الأمن الداخلي ووزير الداخلية وطلبنا التدخّل فوراً لحسمِ الموضوع، فنحن نراهِن على الشرعية، فما حصلَ أنّ الحزب أغارَ على السعديات، والدولةُ هي الكفيلة الوحيدة بحمايتنا».
ولفتَ الكجك إلى أنّ «حزب الله» يحاول فرضَ منطقِه والاستقواءَ بسلاحه، وهذا لن ينجحَ في الإقليم الذي أثبتَ مِن خلال مشاركاته الكثيفة في «14 آذار» أنّه مع مشروع الدولة، كما كلّ الطائفة السنّية، لذلك، فإنّ الدولة هي التي تتصَدّى لتمدُّد الحزب في الإقليم ونحن معها».
على رغم تشَنّجِ الوضع، عاد الهدوء الحذِر إلى السعديات وسط ازدياد الشحن المذهبي، وارتفاع الدعوات السنّية إلى التسَلّح لصَدّ الحزب في الإقليم وبَقيّة المناطق، فهل يَستلحق العقَلاء مِن الجهتين الوضعَ منعاً من أنّ تحرقَ نيران الانفجار الجميع، خصوصاً بعد دخولِ المتطرّفين وعلى رأسِهم قائد «كتائب عبدالله عزّام» سراج الدين زريقات على الخطّ ودعوَته السُنّة إلى حملِ السلاح؟