Site icon IMLebanon

المشروع الإقليمي للسعودية هل يُولد؟

لا يستطيع أحد أن يجزم أن مشروعاً إقليمياً ثالثاً هو قيد الولادة اليوم. لكن ما يُلاحظه أبناء المنطقة ومتابعو تطوّراتها هو أن هناك “حَمْلاً” بمشروع كالمذكور لكنه لا يزال في أشهره الأولى، إذا جاز التعبير على هذا النحو، ولذلك لا يمكن قبل انقضاء مدة معيّنة معرفة إذا كان “حَمْلاً كاذباً” أو “حَمْلاً” غيرِ عصي على “الإسقاط” الطبيعي. و”الحامل” هنا هي المملكة العربية السعودية وصاحب “البذرة” هي المملكة أيضاً، أي باختصار ستكون هي أم المشروع وأباه إذا خرج إلى نور الحياة.

ما الذي يدفع إلى ملاحظة أمر كهذا أو إلى ترقّبه؟

أمر أساسي هو تخلّي السعودية عن التحفّظ المؤدّي إلى الانكفاء في العقود الماضية، وعن تلافي التورّط المباشر في صراعات عسكريّة إقليمية أو تحويل معركتها السياسية صراعات كهذه، وعن محاولتها حل الأزمات التي تواجهها مع محيطها العربي وغير العربي بالتفاوض وتوسيط الأشقاء والأصدقاء وتقديم المساعدات وأحياناً الخضوع للابتزاز بعلمٍ مباشر فيها. والاستثناء المهم والوحيد هنا، وهو مواجهتها مصر الراحل جمال عبد الناصر في اليمن في ستينات القرن الماضي، هو الاستثناء الذي يثبّت القاعدة. علماً أن سببه الفعلي كان شعور العائلة الحاكمة فيها أن انتصار ناصر على حدودها وقيام يمن متحالف معه أو تابع له سيشكّل خطراً مباشراً عليها عائلة ونظاماً وربما كياناً. وقد تجلّى التخلي عن التحفّظ المشار اليه بخطوة خطيرة لكن معبِّرة هي إدخال قوات عسكرية “محدودة” إلى مملكة البحرين الصغيرة عام 2011 لمساعدتها على مواجهة “تمرُّد” غالبيتها الشيعية على استئثار أقلّيتها السنّية بالسلطة. وربما ما كان هذا التطور يثير حفيظتها أو خوفها لولا اقتناعها بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تدعمه أو تحرّض عليه، ولولا تيقّنها أن نجاحه سيجعل الأخيرة على حدودها، وسيفتح شهيّة الشيعة فيها على التحرّك لأسباب عدة قد يكون بعضها محقاً في رأي جهات خارجية عدة. لكن الخطوة الأكبر التي سببت “الحمل” غير المكتمل بالمشروع الإقليمي الثالث كانت إقدام الحوثيّين، وهم أقرب إلى الشيعة منهم إلى السنّة، على احتلال غالبية اليمن بالتعاون مع حليف السعودية لمدة ثلاثة عقود، أي الرئيس علي عبدالله صالح الرافض “انقلاب” حليفته عليه وإقصاءه عن السلطة. وردّت الرياض عليهم بحرب عسكريّة جويّة رافقتها عمليات بريّة تقوم بها “المقاومة” اليمنية والموالون من الجيش لشرعية خلف صالح أي عبد ربه منصور هادي، وتساعد فيها قوات عربية محدودة. والدافع الى هذه الخطوة هو أيضاً دفع الخطر عنها الذي كان مصرياً ناصرياً في الستينات وصار من 1979 إيرانياً، وتحوّل داهماً في مطلع العام 2015.

انطلاقاً من ذلك يمكن القول إن إيران، التي كانت أحد أسباب فشل المشروع التركي انطلاقاً من سوريا، هي أحد أسباب احتمال ولادة مشروع إقليمي آخر عماده السعودية. لكن الولادة وحدها لا تكفي. فالمهم هو المولود وتغذيته وتهذيبه وتعليمه وتأمين كل ما يحتاج إليه ليصبح قادراً على القيام بالمطلوب منه وبفترة قصيرة. ذلك أن “العدو” على الأبواب والحروب التي يديرها أو يدعمها أو يشترك فيها صارت في حاجة إلى من يواجهها من أبناء المنطقة. لكن العالم الغربي غير مبالٍ إلا بالدفاع عن مصالحه ومنها السعودية واسرائيل، ولأن رمز العالم الشرقي روسيا تساند إيران، ولأن مشروع الأخيرة يكاد أن يُجهض رغم الحروب في العراق وسوريا وفلسطين (غزة)، ويمكن أن يضعف في لبنان. والمملكة قادرة على تأمين المال والسلاح لمشروعها، لكنها تحتاج إلى الديموغرافيا وتحديداً إلى العسكر، والوحيدة القادرة على تأمين ذلك هي مصر. وقد ترغب في ذلك جرّاء حاجاتها الاقتصادية اللامتناهية والتي لا تمتلك امكانات تأمينها إلا دول الخليج وفي مقدمها السعودية. إلا أن النجاح في هذا الأمر يقتضي حكماً مستقراً مصرياً، بل حُكماً يعرف صاحبه ماذا يريد، ويمتلك استراتيجيا داخلية وأخرى عربية وثالثة إقليمية ورابعة دولية لا تناقض بينها بحيث لا يضيع بين روسيا وأميركا وبين سوريا وايران وبين سوريا “العمق الاستراتيجي” لمصر والسعودية العمق المالي والاقتصادي.

في اختصار يتمنّى عرب كثيرون ولادة مشروع إقليمي عربي كي لا يصبح عالمهم تحت “إدارة” تحالف إيراني – تركي لاسرائيل دور مهمّ فيه لكن غير مباشر بمباركة أميركية – روسية، أو بالأحرى كي يكون العالم العربي أحد أطراف هذه الإدارة للإقليم.

هل تتحقَّق أُمنيتهم؟ الانتظار وحده يوفّر الجواب.

ملاحظة: السلطنة العثمانية انهزمت على يد “الحلفاء” ضد المانيا، خلافاً لما ورد في “الموقف” أمس. عذراً.