هل باتت إيران بالفعل حجر العثرة الإقليمي في الشرقين الأوسط والأدنى؟
المؤكد أن مؤتمر قادة دول الخليج الذيُعقد في جدة٬ الأيام الماضية٬ قد لفت الانتباه العالمي إلى الإشكالية الإيرانية المتصاعدة عالمًيا والمتقاطعة عكسًيا مع أمن العالم وسلامه٬ وهذا ما دعا وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند لأن يصرح بأن «العالم لا بد أن يظل متنبًها لأفعال طهران٬ خصوًصا تدخلها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ورعايتها للإرهاب في تلك الدول».
يدرك هاموند جيًدا كارثية سعي النظام الإيراني ومنذ الثورة في عام 1979 إلى تصدير آيديولوجيته إلى الخارج٬ ولهذا توفر طهران مساعدات لوجيستية لوكلائها في الشرق الأوسط والخليج العربي طوال ثلاثة عقود ونيف.
تزداد الأزمة تعقيًدا عندما تتخذ ثوًبا طائفًيا ومذهبًيا٬ فإيران تعمل على «تمكين الشيعة» أينما وجدوا بطريقة مستنسخة من النهج السوفياتي تجاه الحركات الشيوعية في العالم أثناء الحرب الباردة.
على أن المؤلم في المشهد الدولي المصاب بالازدواج الأخلاقي هو مطالبة البعض في الغرب للدول العربية بإرسال إشارات إيجابية لإيران تتصل بمستقبل العلاقات٬ الأمر الذي دعا وزير الخارجية السعودي عادل الجبير٬ وعن حق٬ لأن يصرح بأنه «من غير الممكن إقامة علاقات طبيعية مع دولة تزرع الخلايا الإرهابية في بلدنا٬ وتؤسس ميليشيات في دول مجاورة لزعزعة الاستقرار».
آخر مشاهد القلاقل التي تثيرها طهران حول العالم كشفت عنها مجلة «فورين بوليسي» الأميركية في عددها الصادر أواخر مايو (أيار) الماضي٬ وتتصل بالتحالف الإيراني مع حركة طالبان تحت ذريعة تهديدات «داعش» المحتملة٬ الذي باتت كتائبه تنتشر هناك تحت اسم «فرع خراسان»٬ وهي ذريعة لا تنطلي على أحد٬ لا سيما أن «داعش» يضرب شرًقا وغرًبا٬ إلا أنه يحِّيد الأراضي الإيرانية٬ رغم أنه يدعي العداء للنظام الإيراني٬ بل إنه حتى في اليمن يشن هجمات على القوات الحكومية التي تحارب ميليشيات صالح والحوثي «أنصار الله» الموالية لطهران.
استعداد إيران لنقض العداوة التاريخية المعلنة تجاه طالبان إنما ينبع من خطط مستقبلية لتوسيع نفوذها شرًقا والكيد لدول الخليج العربي غرًبا٬ كما أن مبررات إيران الواهية بالعمل على حماية الأقليات الشيعية في دول بعينها لا تختلف كثيًرا عما فعلته إسرائيل بغزوها لبنان عام 1982.
لا تنطلي على المحقق والمدقق في تاريخ إيران قصة تحديها وتصديها لـ«داعش»٬ فتاريخها الذي أظهرته وثائق محاكم أميركية أخيًرا٬ يقطع بأنها قدمت المأوى والملاذ لرجالات «القاعدة» وأبنائهم لأوقات طويلة٬ والوثائق المكشوف عنها حديًثا تبين بما لا يدع مجالاً للشك أن طهران ساعدت في تمويل هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة.
غير أن «الخطيئة الأصلية»٬ لواشنطن هنا هي أنها لا تتعلم من دروس الماضي٬ لا سيما وهي تدعي مشاركتها طهران حرصها على محاربة «داعش» داخل أفغانستان٬ وتنسى أو تتناسى أن الأموال والأسلحة التي تقدمها إيران لطالبان يمكن أنُتستخدم يوًما ما ضد القوات الأميركية٬ وضد استقرار الشرق الأدنى٬ الأمر الذي تأخذه روسيا تحديًدا بعين الاعتبار٬ وتتحسب له مرتين٬ فقد لُدغت من الجحر الأفغاني من قبل٬ ويقينها أن لواشنطن يًدا خفية في إذكاء النيران الداعشية وبقية الحركات الراديكالية في شرق آسيا٬ وتالًيا استخدامها أداة من أدوات حروب الجيل الرابع لتفكيك روسيا وتفخيخها في الحال والصين في الاستقبال.
نيات إيران الحقيقية لا توارى ولا تدارى٬ فمنذ توقيع الاتفاق النووي أطلقت ثمانية صواريخ باليستية بغرض تحسين دقتها٬ وهذا ما أقر به الباحث الأميركي مايكل اليمان الأسبوع الماضي أمام لجنة خاصة في مجلس الشيوخ الأميركي.
في هذا الصدد يمكن لأي مراقب محايد أن يرصد شكلاً من أشكال التحايل الأميركي على قرار الأمم المتحدة الذي يطلب من طهران عدم إجراء تجارب صاروخية٬ وتتعلل واشنطن بأن القرار الأممي لا يحظرها بشكل مباشر٬ وكأن الفقرةُوضعت خصيًصا لتعطي للإيرانيين مسرًبا للنفاذ منه لتحقيق مآربهم على المدى البعيد.
يعرف القاصي والداني أنه من الناحية التقنية لا يوجد للصواريخ الباليستية أي أهمية غير أنها وسيلة لحمل رؤوس نووية٬ الأمر الذي يعكس النيات الإيرانية المستقبلية٬ التي تتعزز من خلال تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي بشأنها حين أشار إلى أن «واشنطن تشتكي من قدرات إيران الصاروخية٬ لكن عليهم أن يدركوا أنه لا يوجد لذلك تأثير٬ ولا يمكنهم القيام بشيء على الإطلاق».
ما من أحد يخدم إسرائيل وحضورها الشرق أوسطي ويمّكن لها أخيًرا مثل النظام الإيراني٬ وعلى المتشكك في صدقية هذا الكلام قراءة ما أورده الكاتب الإسرائيلي إيال زيسر عبر صحيفة «إسرائيل اليوم» بتاريخ 30 مايو الماضي عن الخدمات الفائقة التي تقدمها إيران و«داعش» بإثارتهما للفوضى في الشرق الأوسط لصالح استقرار إسرائيل وتقوية مكانتها السياسية والدبلوماسية في المنطقة بل والعالم.
الرهان يجب أن يكون على الحصان.. والحصان لا بد أن يكون عربًيا أصيلاً بالمطلق.. المشهد واضح جًدا لتحالف يمتد من طهران مروًرا بتل أبيب وصولاً إلى واشنطن..
الذين يقرأون لا ينهزمون.