IMLebanon

الإنتظام  والعودة إلى المؤسسات

ما زال الداخل اللبناني يعيش صدى الوثيقة السياسية التي ألقاها زعيم تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري في الإفطار المركزي، والصدى المتأتي من هذه الوثيقة ناجمٌ عن ردات الفعل عليها، والتي تميَّزت بالإرتياح إلا في ما ندَر من ردات فعل تُشكِّل معزوفةً معروفة وتكاد تُكتَب حتى قبل أن يُلقي الرئيس الحريري كلمته.

***

هذه الكلمة التي وجَّه فيها الرئيس الحريري إشارةً إيجابية لرئيس مجلس النواب نبيه بري، ردَّ عليها رئيس المجلس بمثلها، مشيراً إلى إنتخابات الرئاسة وعمل الحكومة ودور مجلس النواب.

وإذا أُضيف الرئيس تمام سلام إلى هذه السيبة، يكون البلد أمام خط دفاعٍ ليس من السهولة إختراقه على رغم كل المحاولات لضرب بنية الدولة، وما يتكرر منها في هذا الإتجاه.

***

لكن للوثيقة ما بعدها، فالرئيس الحريري لم يقُل كلمته ويمشي، فهي لها ما قبلها وما بعدها. ما قبلها كانت الإتصالات مع أركانه ومع حلفائه، حول ضبط النفس، وما بعدها ستكون بلورة خارطة الطريق إلى المرحلة الآتية، المليئة بالعراقيل والعقبات والكمائن السياسية، وربما غير السياسية.

شهر تموز هو في عداد المُنتهي، وآب هو لناظره قريب، وما حصل في الشارع تجزم قيادات بأنّه لن يتكرَّر، فيما تجزم قيادات التيار الوطني الحر بأنّه سيتكرَّر حتى الوصول إلى نهاية.

أيّاً تكن الإحتمالات والإعتبارات، فإنَّ الأسلوب عينه، للظروف عينها، قد لا يعطي نتيجة، كما أنَّ الرأي العام تَعِب من وضعه في الإستنفار الدائم.

***

إنَّ فاتورة التعطيل باتت أكبر من أن تُحتَمَل. لا حاجة إلى تكرار القول إنَّ لبنان فوَّت على نفسه ملايين الدولارات من الهبات والمساعدات والقروض الميسَّرة، بسبب استحالة إقرارها في مجلس النواب، فإلى متى سيبقى هذا التعنُّت؟

إنَّ أسهل أنواع السياسات هو عدم القيام بأيِّ شيءٍ أو بأيِّ مبادرة، أما أصعبها فهو السياسات التي تقوم على الإختبار والوعي والعقل البارد، وإنَّ الصيغة اللبنانية لم تقُم على التسرُّع بل على الإختبارات وأخذ الوقت والهدوء، فكانت وكان الميثاق اللذان أصبحا من المقدَّسات التي لا يجوز أن تُمس، فأين نحن اليوم من إتفاقات لها مفاعيل الصيغة والميثاق؟

***

نحن نعيش اليوم في عصر أين نحن فيه من الميثاقية، وأين صيغة التحاور والتعايش وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة؟

أين احترام الدستور وبنوده؟

أين إبقاء صلاحية تفسير الدستور للمجلس الدستوري من دون غيره؟

وللخروج من هذا المأزق لا بدَّ من العودة إلى الإنتظام العام الذي لا يكون سوى بالعودة إلى المؤسسات وتفعيلها، وما دون ذلك مزيد من التدهور والقضاء نهائياً على الدولة ومؤسساتها فهل يكون ذلك آخر الطريق؟