IMLebanon

تنظيم الدخول السوري من «أوراق القوّة»؟

أثبتَ الإجماع اللبناني والدبلوماسي الذي حظيَت به الإجراءات الحدودية لتنظيم الدخول السوري إلى لبنان أنّ هذا القرار السيادي يمكن أن يتحوّل ورقةً من أوراق القوّة، بعدما ثبتَ أنّها من أجل ضمان حقوق اللاجئين الحقيقيين وتعزيز الأمن والاستقرار في البلاد ومواجهة مستغلّي الأزمة داخلياً وخارجياً. فما الذي قاد إلى هذه القراءة؟

تعترف أوساط سياسية ودبلوماسية أنّه لم يكن سهلاً على أحد انتقاد أو مواجهة القرارات الخاصة بتنظيم الدخول السوري إلى لبنان والتي بوشِر بتطبيقها على المعابر الحدودية.

فقد أثبتَت التجارب على مدى السنوات الأربع، وتحديداً منذ اندلاع الأزمة السورية، أنّ لبنان لم يستهدف النازحين واللاجئين الفارّين من أتون النار السورية، لا بل دفعَ أغلى الأثمان نتيجة استقبالهم من دون أيّ شروط، كتلك التي وضعَتها دوَل الجوار السوري الأخرى، فكان لبنان وجهتَهم من مناطق على الحدود التركية والأردنية أو العراقية.

وعلى هذه الخلفيات بقيَت الانتقادات التي وجّهَها البعض لهذه الإجراءات خافتةً تلامسُ الحدّ الأدنى الذي كان منتظَراً، وخصوصاً في بعض الأوساط الأممية والدولية التي لم تعِر الظروف القاسية التي كابدَها اللبنانيون نتيجة الأزمة السورية وانعكاساتها الإقتصادية والديمغرافية والأمنية السلبية ما تستحقّه.

ونتيجةً لذلك لم يستغرب المعنيون بتنفيذ القرارات ردَّ فعل السفير السوري في بيروت الذي حاذرَ التعبير عن رفضِه الإجراءات بقساوةٍ، كما فعلَ في مناسبات سابقة. فنادى بالتنسيق مع سوريا لا أكثر ولا أقلّ. ومرَدّ ذلك لمعرفته المسبَقة بالظروف التي قادَت إليها. كما أنّه لم يتلمّس ردّات فعل لبنانية معارضة جعلته يُعلي الصوت في مناسبات سابقة عندما كان يوجّه انتقاداته من منابر رسمية لمسؤولين وقادة أمنيين لبنانيين، الأمر الذي تجنّبه هذه المرّة.

ولذلك، فقد رسم ردّ الفعل اللبناني الإيجابي شبه الشامل سقفاً لرَدّ الفعل السوري، فتحدّثَ السفير السوري بهدوء لافت معبّراً عن انتقاداته بلغةٍ هادئة. وقد ظهرَ ذلك جليّاً عبر إطلالاته التلفزيونية على شبكات صديقة لنظامه، وخصوصاً عندما توجَّه إليه صحافيّوها بمنطق المدافع عن هذه القرارات وخلفيّاتها الضامنة لمصلحة لبنان والنازحين السوريين في آن.

أمّا ردّ الفعل الدولي فقد اقتصر على بعض المنظّمات الأممية والهيئات الدولية التي لم تتمكّن أيضاً من توجيه الانتقادات العنيفة للإجراءات كما كان متوقّعاً، ويعود ذلك لمعرفتها أوّلاً بحجم التقديمات اللبنانية وما تكبَّده البلد الصغير من خسائر منظورة وغير منظورة حدّدَها البنك الدولي قبل عامَين مبدئياً بسبعة مليارات من الدولارات قبل أن ترتفع أخيراً إلى ما يزيد على 17 ملياراً على المستويات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، ما عدا التحدّيات الأمنية.

ويقول معنيّون كانوا يترقّبون ردّات الفعل الدولية إنّ هذه المنظمات لم تتمكّن من إعلاء الصوت أكثر ممّا فعلت، وهي التي حجبَت سابقاً عن الجهات اللبنانية المعنية بهذا الملف الكثيرَ من المعطيات الخاصة باللاجئين، وحرَمت المؤسسات الرسمية من إحصائياتها وتقديماتها وحصرَتها بها وبمؤسسات مستقلّة من هيئات مدنية، ما أدّى إلى صدام أكثر من مرّة مع لبنان الرسمي، وخصوصاً بعدما رفضَ التوقيع على بروتوكولات تحوّل لبنان بلداً مفتوحاً للّجوء من دون سقوف، وهو ما يشكّل خطراً جدّياً على كيانه ومستقبله، عدا عن تفرّدِها بقرارات لم تراعِ مصالحَ لبنان العليا في أكثر من مؤتمر خُصّص للبحث في ملف النازحين.

وجاء التقصير الدولي في مساعدة لبنان في كلّ المراحل التي رافقَت الأزمة ليضعفَ مواقف هذه المنظمات تجاه لبنان الرسمي، واضطرّت إلى مشاركته في مناداة المجتمع الدولي ومناشدته لرفع مستوى الخدمات والتقديمات في مواجهة كلفة النزوح. ويسجَّل للبعض منها أن سبَقت الدولة في طلب الدعم للمجتمعات اللبنانية المضيفة للنازحين، وخصوصاً أنّها مجتمعات فقيرة ولا يمكنها تحمُّل الكلفة وحيدةً في موازاة اللامبالاة الدولية.

وانطلاقاً من كلّ ما تقدَّم، فقد ظهر أنّ هذه الإجراءات يمكن أن تكون إحدى أوراق القوة التي يمكن للبنان أن يستخدمها في مواجهة كلّ الأطراف الداخلية والخارجية، العدوّة والصديقة، وتحديداً أولئك الذين يستغلون أزمة اللاجئين لأغراض لا تمتُّ بصِلة إلى مصلحتهم ومصلحة لبنان، وبقيَ على اللبنانيين الذين رحّبوا بالإجراءات على المعابر الرسمية أن يلاقوا الدولة في كلّ لبنان لتكتملَ الإجراءات الرسمية مع الشعبية ضماناً لمصلحة البلاد والعباد.