يقترب الإستحقاق البلدي في ظل تأهُّب الأحزاب والقوى السياسية، التي توافقت بسحر ساحر حول ضرورة إنجازه بمواعيده، حيث نجحت التحالفات، بين ألدّ الخصوم، في تأليف اللوائح وإطلاق العجلة الإنتخابية بزخم لم تشهده الساحة السياسية منذ ما يُقارب العامين، أي منذ إغلاق أبواب بعبدا وإحكام التعطيل لجلسات مجلس النواب، المُمدِّد لنفسه، وغير القادر على القيام بالتشريعات التي باتت أكثر من ضرورية!
والمُلفت في الإنتخابات البلدية، على أهميتها لإثبات استمرار ما تبقى من مقوّمات الدولة، أنها فتحت أوسع أبواب التساؤلات حول القوّة الغامضة التي تمنع القرار السياسي من انتخاب رئيس للجمهورية على الرغم من كل النصائح الدولية الداعية لتجاوز كل الخلافات وملء الشغور الرئاسي تجنيباً للدولة من السقوط في هاوية الفشل والفوضى المدمِّرة.
وما هو المصدر الرئيسي للقوى المُمعنة في التعطيل، بدءاً من مجلس النواب وصولاً إلى آلية عمل الحكومة التي تواجه سدوداً من العقبات عند كل استحقاق أو طرح لقضية شائكة؟.
إن العجز المُتمادي الذي غرقت به القوى السياسية أدّى إلى بارقة أمل عبر دفع المجتمع المدني إلى تشكيل لوائح كاملة لتخوض المعركة البلدية، فاتحة الباب أمام الكفاءات وأصحاب الإختصاص لإثبات قدرتهم على إدارة ما فشلت به البلديات المدعومة سياسياً في السابق، ومنعاً لتحويل هذا الإستحقاق لدورة جديدة من الأمر الواقع حيث تنتصر المحسوبية ومنطق الإنتماء للحزب وليس للمصلحة العامة.
لربما تكون فُرص إسقاط لوائح الأحزاب معدومة، وخرقها شبه معدوم، إلا أنها تُعبِّر عن نبض الشارع الذي ضاق ذُرعاً بالإستخفاف الرسمي والحزبي به، حيث يئن المواطن تحت وطأة أزمة معيشية باتت أكثر من خانقة، ويُعاني من تلوّث بيئي وسياسي غير مسبوق، ضمن حملة مُمنهجة لنهب مقدرات الدولة وإفراغ مؤسساتها من أية قدرة على المواجهة.
إن حركة المرشحين المستقلّين واللوائح المواجهة للمحادل تدلّ على تمسّك اللبناني بحقّه في التعبير عن رأيه وفي اختيار نمط الحياة التي يريد ورفضه لسياسة الأمر الواقع، وهي فرصة للطبقة السياسية أيضاً لتحليل نتائج الإنتخابات، مهما كانت، لأنها تعكس تغييراً واضحاً لمزاج الشارع وما يمكن أن يحمل للإنتخابات النيابية، إذا ما تمّت، وبعدما دفع اللبناني ثمن تأخيرها الغالي والنفيس من أمنه الإقتصادي واستقرارة الإجتماعي والسياسي، والأغلى نتيجة الفراغ الرئاسي من مصداقيته أمام المجتمع الدولي، وفُرص ضائعة لقروض ميسَّرة واستثمارات أجنبية ومساعدات حقيقية لأزمة نازحين تهدِّد بالتحوّل إلى أزمة توطين قاتلة!