تجزم مصادر سياسية بأن رفض القوى المسيحية الاساسية دعم ترشيح النائب سليمان فرنجيه لموقع الرئاسة الاولى لن يعيد عقارب الساعة الى الوراء في اتجاه احتمال تعزيز فرص وصول أحد المرشحين الاربعة الآخرين، وخصوصا العماد ميشال عون، بل ان هذا الرفض سيفتح الباب أمام احتمالين: أحدهما هو “مودرة” ترشيح فرنجيه في ظل تحفظ او رفض ضمني اعلامي وسياسي لم يخرج حتى الآن على نحو علني ومباشر، إن على لسان العماد عون أو على لسان الدكتور سمير جعجع. وهو أمر قد يفتح الباب أمام ارجاء طويل ومن دون أفق للانتخابات الرئاسية، مع تحمل الافرقاء المسيحيين دون سواهم المسؤولية المباشرة عن عرقلة انتخاب رئيس، باعتبار ان الذرائع المتصلة بالخارج تكون قد استنفدت في ظل الكلام على عدم ممانعة من الخارج الاقليمي والدولي في حال الاتفاق بين اللبنانيين. والاحتمال الآخر هو امكان الدفع نحو مرشح توافقي متى تم رفض فرنجيه، باعتبار ان فرص من صنّف نفسه من ضمن الاربعة الاقوياء قد انتهت صلاحيتها ولم تعد متاحة، ولا بد من الذهاب الى خيار ثالث في وقت ما. وهذا الرفض المسيحي، في حال حصوله، سيحرر الآخرين من حتمية التزام التصنيفات التي وضعتها مجموعة الاربعة مع البطريرك الماروني في بكركي في ظل أسئلة كبيرة. هذه الاسئلة تعني في الدرجة الاولى “حزب الله” الذي يمكن ان يفقد فرصة من يتمنى، أو يحلم بوصول فرنجيه لقاء التزامه اخلاقيا مع العماد عون واستحالة تركه، بالمنطق الاخلاقي، ما لم يقتنع الزعيم العوني نفسه بالتراجع عن تمسكه بالوصول الى الرئاسة وحده من دون سواه. كما تعني هذه الاسئلة العماد عون نفسه لجهة ما إذا كان سيفوت على حليفه الشيعي فرصة ذهبية تتمثل في وصول فرنجيه، على رغم معرفته باستحالة وصوله شخصياً في اي لحظة الى الرئاسة الاولى، خصوصاً ان كلام الحزب على التزامه اخلاقيا مع العماد عون يفترض ان يدفع بالاخير الى مراجعة حساباته على هذا الصعيد لكونه سيهدر فرصة ذهبية لحليفه الابرز. فإذا كان الرفض سيؤدي الى اطالة أمد الشغور من دون وجود فرصة حقيقية تسمح بوصوله، او اذا كان سيؤدي الى امكان وصول شخصية وفاقية من خارج نادي الاربعة، فإن هناك حسابات يتعين عليه القيام بها، وخصوصا أن لا انتخابات رئاسية ممكنة او محتملة من دون موافقته، وهو ما يجعله في واجهة تضييع فرصة انتخاب رئيس، بل رئيس من المحور الذي ينتمي اليه، وليس “حزب الله” او ايران في هذه المرحلة.
والاسئلة الاخرى التي تبرز راهنا تتركز عمّا إذا كان الرفض المسيحي او عدم الموافقة المسيحية على دعم ترشيح فرنجيه يمكن ان يدفعا الدول الاقليمية الى اعادة النظر في دعمها التسوية التي ستوصل هذا الاخير. فما يقال عن دعم اقليمي ودولي للتسوية، لا يتعدى اطار عدم الممانعة من هذه الدول اذا كان هناك توافق داخلي، اي ان الباب مفتوح أمام احتمال تراجع دعم هذه الدول إذا كان الرفض الداخلي قوياً وحازماً ونهائياً. ومع التطورات التي يمكن أن تطرأ على غرار الهجوم الجديد لـ”حزب الله” ضد السعودية تحت عنوان وقف بث “المنار”، فإن عامل الوقت الذي يحذر منه البعض يندرج في اطار الخشية من ان يراهن الرافضون على الوقت وما يمكن ان يحمله من أجل اعادة خلط الاوراق، خصوصا ان الاولويات الاقليمية الملحة تمنع إيلاء لبنان الاهتمام الكافي مجددا على نحو قد يساعده على الخروج من أزمته. وإذا كان عون يراهن على أن يتعب الجميع من التعطيل ويسلموا له بالرئاسة، فإن جعجع كان يتوقع على الاقل، بعدما كان مرشحاً قوياً ومدعوماً من فريق وازن، ان تمر الرئاسة عبره وفق ما تلقى من وعود في هذا الصدد. وما حصل أن تسريب اللقاء الذي عقده الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجيه من أفرقاء لغايات محددة، في لحظة لم تكن قد اكتملت الاستعدادات لتحضير اجواء الارض والحلفاء، ساهم في تخريب علاقات الطرفين بحلفائهما. لكن مع عدم رفض كل من عون وجعجع علناً ومباشرة حتى الآن ترشيح فرنجيه، فان مصادر وزارية ترجح ان الاثنين يقوّمان حساباتهما وخياراتهما من دون استبعاد ان ما يجري من خطوات يتم التهديد بها لا يخرج عن اطار رفع السقوف والاثمان ليس إلا، في الوقت الراهن على الاقل، على رغم ان المعلومات تتحدث عن ان اي كلام في الاثمان لم يبدأ بعد، ولا يزال الكلام من حيث المبدأ، اي دعم ترشيح فرنجيه او عدمه، ولم يصل بعد الى تفاصيل أخرى على رغم ان فرنجيه يبدأ اتصالاته في الساعات والايام المقبلة من اجل اقناع المعترضين ومحاولة تذليل العقبات التي تعترض دعمه، فيما هو لا يزال واثقاً بحظوظه الكبيرة وبالدعم الاقليمي والدولي لترشيحه، على اساس ان ما يجري هو مخاض ما قبل الانتخابات، وان الافرقاء الداخليين ليسوا هم من يقرر في الواقع. لكن هذا كله، اي ما يتعلق بالرفض من اجل رفع السقوف والاثمان، سيتغير مع الرفض العلني باعتبار ان ذلك سيكون المؤشر لطي مرحلة فرنجيه والذهاب حكما الى مرحلة اخرى، اياً تكن هذه المرحلة. لكن بالنسبة الى المصادر المعنية، فإن كلاً من عون وجعجع يتهيبان خطوة الرفض لان لها تداعياتها وانعكاساتها المختلفة جدا عن تجربة عام 1989، ولو ان علاقة كل منهما بحليفه قد اهتزت بعمق من الداخل.