في ظلّ الرفض التام لإجراء الإنتخابات النيابيّة وفق قانون يعتمد صيغة التصويت الأكثري، وردًا على إستمرار بعض الأطراف في سياسة المُماطلة وتضييع الوقت على أمل فرض القانون النافذ حاليًا كأمر واقع، حرّك كل من «حزب الله» و«التيّار الوطني الحُرّ» قوانين الإنتخابات التي تعتمد مبدأ النسبيّة، مع التلويح بوجود حظوظ كبيرة للقانون الذي أعدّه فريق عمل وزير الداخليّة السابق مروان شربل، وأقرّته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2012، بدعم وبمُوافقة مُختلف القوى التي كانت مُشاركة فيها في حينه، ومن بينها «الحزب التقدمي الإشتراكي». فهل هذا القانون عادل على المُستوى اللبناني، وهل هو مُنصف للمسيحيّين ويُؤمّن إستعادتهم لحُقوقهم، وهل يُمكن أن يمرّ أم أنّ ما يحصل مناورة ضاغطة للجوء إلى «قانون مختلط» جديد؟
بحسب خبراء في الشأن الإنتخابي إنّ بعض التقسيمات الواردة في القانون المذكور لا تُشكّل أيّ مُشكلة للأطراف المعنيّين فيها، ومنها على سبيل المثال دائرة «طرابلس المنية الضنيّة» (عدد المقاعد 11)، ودائرة «بعلبك – الهرمل» (عدد المقاعد 10)، و«جبيل – كسروان» (عدد المقاعد 8)، إلخ. بينما تحتاج أخرى لإعادة درس، ومنها مثلاً دائرة «صيدا – قرى صيدا – جزين» (عدد المقاعد 12) و«زحلة – راشيا – البقاع الغربي» (عدد المقاعد 13)، و«النبطيّة – مرجعيون – حاصبيا – بنت جبيل» (عدد المقاعد 11)، إلخ. إلى ذلك، إنّ دمج القانون بين كل من «زغرتا وبشري والكورة والبترون» ضمن دائرة واحدة مع عدد مقاعد يبلغ 10، مُنصف على صعيد التوزيع الطائفي، لكنّه سيتسبّب بمعركة إنتخابيّة سياسيّة طاحنة ضُمن الطائفة الواحدة. كما أنّ الدائرة الخاصة بالمُغتربين تحتاج إلى إعادة درس.
من جهة أخرى، برز تضارب آراء الخبراء في الشأن الإنتخابي بشأن نتائج القانون الذي أقرّته حكومة رئيس الوزراء السابق ميقاتي، بالنسبة إلى خروج الناخب المسيحي من تأثير الناخب المُسلم، حيث يرى البعض أنّ القانون المذكور قادر على تأمين إنتخاب نحو 50 نائبًا مسيحيًا من دون تأثير الصوت المُسلم، بينما يبدو خبراء آخرون أقلّ تفاؤلاً في هذا الصدد، ويعتبرون أنّ الوصول إلى هذا الرقم يستوجب تعديل التقسيمات الإنتخابية ورفع عدد الدوائر إلى 15 وربّما إلى 16 دائرة، علمًا أنّ عددها في القانون يبلغ 13 دائرة، وهو ما يسمح بإيصال 45 أو 46 نائبًا بأصوات المسيحيّين، بحسب هؤلاء.
وبحسب أوساط سياسيّة مُطلعة، فإنّ «التيّار الوطني الحُرّ» يُطالب برفع عدد الدوائر، أي بمعنى آخر تصغير هذه الدوائر، ليتمكّن المسيحيّون من إنتخاب عدد أكبر من النوّاب بأصواتهم الذاتيّة، خاصة وأنّ هذا التعديل لا يترك أيّ نتائج سلبيّة على الناخبين من طوائف ومذاهب أخرى. وأضافت الأوساط أنّ مُوافقة «التيّار» على القانون المذكور، مُرتبطة بشرط إعادة توزيع وتقسيم بعض الدوائر بشكل مختلف ليُصبح من السهل الموافقة على القانون، ومن السهل أيضًا إقناع «القوات اللبنانيّة» به، كونه سيتجيب عندها لمطلب كبرى الأحزاب المسيحيّة باسترجاع قيمة صوت الناخب المسيحي. وتابعت الأوساط نفسها أنّه عندها لن يتردّد «التيّار» في المُجاهرة بالمُطالبة بإقرار هذا القانون.
وأضافت هذه الأوساط أنّ «حزب الله» هو من أبرز الداعمين لقانون «حكومة ميقاتي»، وهو جذب «حركة أمل» إليه، كون هذا القانون يُمثّل أفضل المُمكن على مُستوى صيغة التصويت النسبي، حيث من الصعب جدًا تمرير ما يطُالب به «الحزب» من قانون نسبي على مُستوى لبنان دائرة واحدة أو على مُستوى المحافظات الحالية. وتابعت الأوساط نفسها أنّ «حزب الله» يعتبر أنّ مُجرّد الإنتقال من التصويت الأكثري إلى التصويت النسبيّ سيُشكّل إنجازًا مُهمًّا على مُستوى القوانين الإنتخابيّة في لبنان بغضّ النظر عن طبيعة التقسيمات، وأنّ هذا الأمر سيسمح بتمثيل قوى مختلفة حليفة للحزب من خارج بيئته الشيعيّة الداعمة.
«المُختلط» مدار بحث خلف الكواليس…
ولفتت الأوساط نفسها إلى أنّ العمل قائم حاليًا للحصول على مُوافقة أكثر من جهة وحزب على «قانون مُختلط» جديد، ينطلق من وحدة معايير واضحة في مختلف الدوائر والتقسيمات، في ظلّ خلاف مُستمرّ على النسبة المطلوبة للفائزين بدورة التصويت الأكثري للإنتقال إلى دورة التصويت النسبي وفق دوائر أكبر حجمًا. وبحسب المعلومات المتوفّرة فإنّ «تيّار المُستقبل» يُطالب برفع هذه النسبة، بينما يُطالب «حزب الله» بخفضها كثيرًا. وأوضحت الأوساط نفسها أنّ المُعادلة بسيطة، كلّما إنخفضت النسبة المطلوبة للتأهل إلى الدورة الثانية من الإنتخابات النيابيّة وفق «القانون المُختلط»، كلّما كانت فرصة المُعارضين داخل طوائفهم ومذاهبهم أكبر بالوصول إلى الندوة البرلمانيّة.
وشدّدت هذه الأوساط على أنّ التلويح الجدّي الحالي بقانون «حكومة ميقاتي» الإنتخابيّ، يهدف إلى رفع نسبة الضغط على «تيّار المُستقبل» الذي أبدى في الأيّام القليلة الماضية مُرونة أكبر، لجهة المُوافقة على البحث به وعلى دراسة تفاصيله بالعمق، قبل أن تُسرّب مصادره الإعلاميّة في مرحلة لاحقة بأنّ هذا الأمر غير صحيح. وأضافت أنّ هناك فرصة سانحة لإنتزاع مُقاربة أكثر إيجابيّة من قبل «تيّار المُستقبل» نحو «القانون المُختلط» الجديد مدار البحث، كونه سيبدو بمثابة «الحل الأقلّ سوءًا» مُقارنة بالقانون النسبي، خاصة في حال تعديل الدوائر بشكل مُغاير لصيغة التقسيم التي وُضعت في الأسابيع القليلة الماضية، وفي حال التوصّل إلى نسبة تأهيل منطقيّة بين دورتي التصويت الأكثري والنسبي. وأضافت الأوساط نفسها أنّه عندها، ستقتصر المُعارضة الرافضة كليًا للقانون المُختلط على «الحزب التقدمي الإشتراكي» بشكل أساسي، ما سيجعل من الصعب جدًا منع مروره في المجلس النيابي.
ولفتت الأوساط السياسيّة المُطلعة إلى أنّ قيام «التيّار الوطني الحُرّ» برفع السقف عبر التلويح بفرض قانون يعتمد النسبيّة الكاملة، يهدف إلى قطع الطريق على المناورات القائمة حاليًا، لدفع كل من «تيّار المُستقبل» و«الحزب التقدمي الإشتراكي» بالتحديد، إلى الموافقة على «قانون مُختلط»، وهو القانون الذي يُؤيّده حزب «القوات اللبنانيّة» بشدّة، ويعمل على تسويقه عبر قنواته واتصالاته السياسيّة. ولفتت إلى أنّ «حزب الله» يضغط من جهته لإقناع «التيّار البُرتقالي» بالسير بقانون إنتخابي يعتمد مبدأ النسبية الكاملة، من باب الإقتناع الكامل بهذا الخيار، وليس من باب الضغط والمُناورة، على أمل أن يتمكّن من خلاله من إحداث تغيير جذري في التركيبة السياسيّة الداخليّة القائمة، مُواكبة للتغييرات السياسيّة على المُستوى الإقليمي.
وختمت الأوساط السياسيّة كلامها بالقول إنّه من الصعب تحديد نتيجة الكباش السياسي الحالي من اليوم، لأنّ الأيام القليلة المُقبلة ستشهد تركيزًا أكبر على موضوع قانون الإنتخابات، وإتصالات كثيفة بين مختلف الجهات المعنيّة، وحتى المزيد من الضغوط السياسيّة والإعلاميّة، ورجّحت أن يحصل «تمديد تقني» لنحو ثلاثة أشهر للمجلس النيابي الحالي، لإستكمال شروط «الطبخة» الإنتخابيّة، ولتهيئة الظروف اللوجستية والسياسيّة والإعلامية لها.