IMLebanon

الرفضُ الجدي لمجلسٍ ممدَّد له يكون بالإستقالةِ منه

يبدو أن المسافة الزمنية وفارقُ التوقيت بين لبنان وأوستراليا، فوَّت على أحد نواب تكتل التغيير والإصلاح التنبُّهَ إلى ما قاله الكاردينال الراعي عن إستقالة النواب. الكاردينال الراعي، وفي ختام زيارته لاوستراليا، عقد مؤتمراً صحافياً في السابع من هذا الشهر، تطرَّق فيه إلى تمديدِ النواب لأنفسهم، وختم كلامه بالقول:

أدعو مَن لا يرضى بهذا المسار من النواب إلى الإستقالة.

هذه الدعوة الواضحة والصارخة والصريحة والتي لا لُبس فيها، لم تلفت نظر النائب عن كتلة العماد عون الذي تقدَّم بالطعن أمام المجلس الدستوري، فحين سُئل عن الدعوة إلى الإستقالة، لم يتوانَ عن القولِ حرفياً:

لم نسمع من البطريرك الماروني دعوته النواب الرافضين للتمديد إلى تقديم إستقالاتهم.

بعضهم قد يكون لم يسمعْ، لكن عدم سمعهم لا يعني أن البطريرك الراعي لم يقُلْها، بل قالها وهي موثَّقة كتابةً وصوتاً وصورةً وفي الإمكان العودة إليها عند الضرورة، أما إذا كانوا لم يسمعوا لأنهم لا يريدون أن يستقيلوا، فهذا شيءٌ آخر وهذا يعني انهم يسيرون بالتمديد، وإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك، فلماذا الصراخ ضد التمديد؟

كيف تصرخون ضدَّ شيءٍ وتسيرون به؟!ّ

***

هذه واحدة من السياسات اللبنانية التي تنطبقُ عليها مقولة إزدواجية القناعات، لكن التيار الوطني الحر عوَّد مناصريه على غير ذلك، فالشعبية التي حصدها تعود في جانب كبيرٍ منها إلى المبدئية التي ينتهجها، وانطلاقاً من هذه المبدئيةِ يُفتَرض فيه أن يُقدِم على الطلب من نوابه الإستقالةَ بغية إحداث الصدمة المطلوبة على المستوى النيابي وعلى المستوى الوطني، أليست السياسة مواقف والحياة وقفة عزٍ؟

***

ليست خطوة سهلة وبسيطة أن يُقدِمَ أكثر من عشرين نائباً على تقديم إستقالتهم، فهذه الخطوة تُحدِث صدمةً عند الرأي العام ومن شأنها إعادة خلط الأوراق، فهل يفعلها التيار؟

قد يُقدم على هذه الخطوة، لكن أمراً واحداً قد يمنعه وهو:

إذا سحب شرعيته من هذا المجلس فكيف يريدُ له أن ينتخب هو رئيساً للجمهوريةِ الذي قد يكون العماد عون؟

وكيف سيعترف بهذه الإنتخاباتِ؟

هل يكون المجلس شرعياً إذا إنتخب العماد عون، ولا يكون كذلك إذا مدَّد لنفسه؟

***

الوضع ليس سهلاً، لا على المستوى الدستوري ولا على المستوى السياسي ولا حتى على التسريباتِ التي تُطاوِل مرشحين جديين والذين يُؤثِرون فضيلة الصمت والإبتعاد عن الأضواء الإعلامية، ومع ذلك تبقى الشائعاتُ تلاحقهم.

يبرز من بين هذه الشخصيات الوزير والنائب السابق جان عبيد، فحين انتُخِب نائباً جَمَع بين مواقفه الرزينة والرصينة وبين انفتاحه على الجميع من دون إستثناءٍ، مع الحفاظ على ثوابته وقناعاته.

وحين كان وزيراً للخارجية جَمَع بين دماثتهِ وثقافتهِ وبين دبلوماسيته المُفرَطة. جان عبيد من الشخصيات النادرة التي تملك في آن موهبة الإصغاء الشديد والكلام العميق، فالإصغاءُ عنده ليس مجرد تهذيبٍ بل أسلوب تعلُّم، والكلام عنده ليس جلبةً أو ضجيجاً بل عمقٌ واتِّزان. ومع كل ذلك، وفوق كل ذلك، يبقى هناك مَن يعتبرون أنفسهم متضررين منه فيُطلقون عليه سِهامَ الشائعات ومنها انه تلقَّى تِباعاً سيارتين مصفحتين مضادتين للرصاصِ وصلتا حديثاً من إحدى الدول الخليجية.

أوساط قريبة من الوزير عبيد تستهجِن هذه الأقاويل وإن كانت لا تتفاجأ بها، لكنها توضِحُ وعلى العلنِ أن السيارتين قديمتان من عامي 2008 و 2009 وقد اشتريتا من لبنان وتم دفع ثمن الثانية على مرحلتين. إذن الخبر عارٍ من الصحة جملةً وتفصيلاً وتضعه في خانة الحرتقاتِ التي لا تستدعي التوقفَ عندها لأن هناك الكثير من الأمورِ الأكثر أهميةً في البلد.

***

هذه الواقعةُ تُثبت أن هناك في البلد مَن يستمر في التعاطي في السياسةِ على انها تسلية وحرتقة علماً أن الأوضاعَ الخطيرة والدقيقة تستدعي ترفُّعاً وكِبَراً، أليس الإنصراف إلى إنتخابِ رئيسٍ هو أهم من كل هذه السياساتِ الضيِّقة؟