IMLebanon

تهلَّلي يا أورشليم… المسيح سلامُك آتٍ

 

أما ميلاد يسوع المسيح ابن الله عمانوئيل إلهنا معنا في سنة 2017 فهكذا كان:

في تلك الأيام صدر أمر من القيصر أوغسطوس ترامب باعتبار أورشليم القدس عاصمةً لدولة إسرائيل اليهودية، يوم كان بنيامين نتنياهو حاكماً على إسرائيل ومتولّياً على كل أرض فلسطين المحتلة. يومها نزل الفلسطينيون إلى الشوارع يطالبون باستعادة حق مسلوب، فوقعت مواجهات دامية، واشتعلت الفتن ودُمِّرت منازل وسقطت ضحايا.

ذهب جميع الناس ليتفقّدوا بيوتهم وأرضهم ومدنهم «وصعد يوسف، مع خطّيبته مريم وهي حامل، من الجليل من مدينة الناصرة إلى مدينة داود، التي يقال لها بيت لحم، لأنه كان من بيت داود وعشيرته. وبينما هما فيها، حان وقت ولادتها، فولدت ابنها البكر يسوع فقمّطته وأضجعته في خربة، لأنه لم يكن لهما موضع يبيتان فيه» (لوقا 2/4-7). فالبيوت مُدمَّرة والمواجهات قائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليّين. كل ذلك بسبب أورشليم القدس، لأن كل طرف يعتبرها عاصمةً له.

إنّه حدث يعيدنا إلى التاريخ ويدعونا إلى التعمّق في قراءة الكتاب المقدّس في ما قاله الأنبياء، وهم صوت الله في شعبه، عن مجيء المخلّص نوراً وسلاماً للعالم يوم كانت أورشليم مدمَّرة ويوم كان الشعب غارقاً في ظلمات الشرّ والخطيئة.

أرسل الله النبي آشعيا ليعلن عن زمن الرجاء وليعزي شعبه مبشراً «أن زمن الشدة ولّى والألم انتهى والخطيئة غُفرت، وأن العودة إلى الوطن باتت ممكنة، حيث سيعود أبناء الشعب ويبنون أخربة الماضي ويشيّدون مدمّرات قديم الأيام» (آشعيا 61/4-7).

وعن أورشليم تنبّأ آشعيا وقال: «قومي استنيري يا أورشليم، فإن نورَكِ قد وافى ومجدَ الرب قد أشرق عليك. ها إن الظلمة تغطي الأرض والغمام المظلم يشمل الشعوب، ولكنَ عليك يُشرق الرب، وعليك يتراءى مجده. فتسيرُ الأمم في نورك والملوك في ضياء إشراقك» (60/1-3). «فيحكم الرب بين الأمم ويقضي للشعوب الكثيرة… فلا ترفعُ أمّة على أمّة سيفًا ولا يتعلّمون الحرب بعد ذلك» (2/4).
لكن الشعب لم يسمع.

فعاد الرب وأرسل النبي إرميا يوّبخ الملوك والشعب ويذكّرهم بخطيئة الآباء ويدعوهم إلى التوبة: «أنسيتم شرور آبائكم وشرور ملوك يهوذا التي صُنعت في أرض يهوذا وفي شوارع أورشليم؟» (44/9). «فهل تقدرون أن تصنعوا الخير وأنتم معتادون الشرّ؟» (13/23).

وعن أورشليم تنبّأ إرميا وقال: «ويلٌ لكِ يا أورشليم، إنك لا تطهُرين؛ فإلى متى بعد؟» (13/27). «تأدّبي يا أورشليم لئلا تتحوّل عنكِ نفسي، يقول الرب، ولئلا أجعلك دماراً وأرضاً لا تُسكن» (6/8).

في آخر الأيام، أرسل الله يوحنا المعمدان صوتاً صارخاً في البرّية ليعدّ طريق الرب ويبشر بالتوبة لاقتراب ملكوت السماوات ويعمّد بالماء لمغفرة الخطايا. (متى 3/1-6).

ولأن أحداً من الرؤساء لم يسمع ولا الشعب الذي كان غارقاً في الخطيئة وهو يعاني من الاحتلال الروماني، أرسل الله في تمام الأزمنة ابنه الوحيد يسوع المسيح ليحقق مشروعه الخلاصي بولادته إنساناً فقيراً حقيراً وبموته على الصليب وبقيامته ليرفع الفقراء والضعفاء «ويفرج عن المظلومين ويحرّر الأسرى». (لوقا 4/16-19).

فشهد له يوحنا قائلاً: «جاء نوراً في ظلمات هذا العالم، ولم تدركه الظلمات. جاء إلى بيته فما قبله أهل بيته. أما الذين قبلوه، وهم الذين يؤمنون باسمه، فقد مكّنهم أن يصيروا أبناء الله» (يوحنا 1/1-12)؛ فجعل منهم شعباً جديداً.

جاء يسوع يعيد إلى الناس كرامة أبناء الله وحرّيتهم.

جاء يسوع سلاماً للعالم يُصلح بين «اليهود والغرباء»، «وبينهم وبين الله»، كما يشهد القديس بولس: «فقد جعل من الجماعتين جماعةً واحدة، وهدم في جسده الحاجز الذي يفصل بينهما، أي العداوة، وألغى شريعة الوصايا وما فيها من أحكام ليخلق في شخصه من هاتين الجماعتين، بعدما أحلّ السلام بينهما، إنساناً جديداً واحداً، ويصلح بينهما وبين الله فجعلهما جسداً واحداً بالصليب وبه قضى على العداوة» (أفسس 2/13-14).

بولادته قبل ألفي سنة، خربط يسوع حسابات القياصرة والملوك والرؤساء والسلاطين، وافتتح للبشرية عهداً جديداً وتاريخاً جديداً.

وبولادته اليوم، يخربط يسوع من جديد حسابات الأقوياء وينقض مصالحهم. ويتوجه من جديد إلى الحكام ليقول لهم: بولادتي إنساناً على هذه الأرض تمّت أقوال الأنبياء؛ فهل تؤمنون؟

جئتُ أزرع السلام فيها؛ فهل تؤمنون؟

جئتُ أهدم الحواجز والجدران التي بنيتموها لتفصل بينكم وبين أقربائكم الفلسطينيين.

جئتُ ألغي شريعة الوصايا لأضع مكانها شريعة المحبة. فهل تريدون؟

ويشهد القديس بولس أن «كل الوصايا مجتمعة في واحدة، وهي: أحبب قريبك حبك لنفسك. فالمحبة لا تُنزِل بالقريب شراً. وهي كمال الشريعة» (روما 13/9-10). ولكنكم ستسألونني حالاً: ومن هو قريبي؟ وسأكشف لكم من جديد أن قريبكم هو السامري الفلسطيني الذي تعتبرونه عدواً.

(راجع لوقا 10/25-37). وهذه القربى لا ترتكز على الانتماءات العائلية أو الجماعية أو الوطنية أو الدينية، ولا على أيّ عنصرية، لكن على العلاقة التي تُبنى بالرحمة، بأعمال الرحمة التي سنحاسَبُ عليها يوم الدين.

أيها الرب يسوع، نؤمن أنك بولادتك اليوم قادر أن تحلّ السلام في ما بيننا وتقضي على العداوة، وأن تجمع الشعوب في شخصك وتخلق منها إنساناً جديداً.

نؤمن أنك قادر أن تحرّر الشعوب المظلومة وتعيد إليها الكرامة وحرية تقرير المصير، وأن تعيد الحق إلى أصحابه.

نؤمن أنك قادر أن تعيد المسيحيين إلى أرضهم، الأرض التي قدّستَها بولادتك وبشارتك للناس وصلبك وقيامتك، وأن تعيد إليهم كرامتهم وحقهم في الحياة.

نؤمن أنك قادر أن تشرق في عالمنا المظلم نوراً إلهياً فتقودنا إلى «المدينة المقدسة، أورشليم الجديدة، النازلة من السماء من عند الله مهيّأة مثل عروس مزيّنة لعريسها، لتكون مسكن الله» (رؤيا 21/2-3)، لنحتفل معك بوليمة عرس الحمل.

وتكون أورشليم القدس مدينتَنا جميعاً، يهوداً ومسيحيين ومسلمين، ومدينة جميع الأمم والشعوب، لأنها مدينة الله، مدينة إلهنا الواحد الذي افتدانا بابنه الحبيب.