Site icon IMLebanon

النسبية المشروطة

في معرض البحث عن النظام الانتخابي الأمثل في لبنان، لا بدّ للباحثين من الإجابة بداية على التساؤل الآتي: ماذا نريد من النظام الانتخابي؟

إذا عدنا لوثيقة الوفاق الوطني، نجد أنها حددت هذا المراد بأن يضمن النظام الانتخابي العيش المشترك بين اللبنانيين ويؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وفعالية ذلك التمثيل على أن تستمر هذه الضمانة للأجيال اللاحقة.

من هنا نقطة الاطلاق، فمعرفة الغاية هي المتحكم الأساس في عملية صوغ النظام الانتخابي، حيث توضع المعايير التي تستجيب لتحقيق هذا الهدف المطلوب إنجازه، لكن للأسف نرى أن معظم المكلفين بالبحث عن النظام الانتخابي الأمثل، كانت غايتهم المعلنة هي إما تحسين التمثيل الطائفي أو زيادة حصة الاحزاب أو ضمان وصول مرشحي أحد الأحزاب الى السلطة، بحيث أصبحت الهواجس المذكورة هي عنوان الإصلاح المفترض والتي على أساسها يتمّ رفض النظام الانتخابي أو القبول به من خلال ما يؤمّنه هذا النظام للمصالح الخاصة بأطراف العملية السياسية ليس أكثر.

إن المنطلق المذكور في البحث عن النظام الانتخابي الأمثل لا يؤدي إلى تحقيق الأهداف المرسومة في وثيقة الوفاق الوطني والمتمثلة بتأمين فعالية التمثيل لشتى فئات الشعب وأجياله، بل على العكس من ذلك، فإن نتائجها ستكون كارثية هذا في حال تمكنّا من تلبية سائر متطلبات الجهات السياسية الخاصة.

ثمّ لتحقيق الغاية المرجوة من النظام الانتخابي يجب ألا نهمل طبيعة النظام السياسي اللبناني، بحيث يجب أن يأتي هذا النظام مكمّلاً ومؤازراً لحلقات هذا النظام، ولما كان نظامنا الدستوري يرتكز على قوة البرلمان لناحية أنه ينتخب رئيس الجمهورية ويشارك في تعيين رئيس وأعضاء الحكومة من خلال الاستشارات السابقة والثقة اللاحقة للتأليف، لهذا يقتضي بالنظام الانتخابي أن يؤدي إلى إيجاد برلمان متجانس قادر على تسهيل تكوين السلطات الدستورية والقيام بمهامه الدستورية الأخرى. فهل سيؤدي نظام الاقتراع النسبي وفق الدوائر المقترحة إلى هذا الدور؟

لن أحكم مسبقاً على صحة طرح النسبية وفق الدوائر المتعددة، لأن التجربة هي الوحيدة الكفيلة ببيان صوابية هذا النظام، ولكن بالتصورات المطروحة يتبين أن القوى السياسية الموجودة حالياً ستكون ممثلة في المجلس الجديد وسيضاف إليها قوى جديدة، أي فعلياً سيؤدي إلى زيادة عدد الكتل النيابية مع ما يعنيه زيادة متطلبات التشارك وتوزيع الحصص، هي ثغرة يقتضي التنبه لها، لأنه إذا كانت الغاية المطلوبة أن يضمّ مجلس النواب جميع الفعاليات السياسية والاجتماعية، فإنه سيفقد القدرة على تحقيق دوره كمحور السلطات في لبنان، ولهذا في حال تقرر اعتماد النظام النسبي وفق الدوائر المقترحة، يجب أن يرافقه اعتماد إصلاحات أخرى أهمها:

-إعادة صلاحية حلّ مجلس النواب إلى رئيس الجمهورية بموجب مرسوم يوقّع عليه منفرداً شرط أن يكون مرسوم الحل معللاً.

-انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة ليكون له قدرة تحقيق التوازن بين السلطات بحيث يمنع استخدام النظام النسبي وسيلةً لإحلال الفوضى.

-وضع القواعد اللازمة لضمان قدرة البرلمان على العمل بدون تعطيل وذلك تماشياً مع اجتهاد المجلس الدستوري (القرار رقم 4 تاريخ 29 أيلول 2001).

-اعتماد اللوائح المقفلة والانضباط في الانتساب لهذه اللوائح بحيث تمنع التحالفات الانتخابية الظرفية.

-حظر الخطاب الطائفي أو إشاعة الكراهية بين اللبنانيين بحيث تكون هذه الخطابات سبباً لإبطال النيابة في خلال مرحلة بت الطعون الانتخابية.

والأهم من كلّ ذلك وقبل إقرار النظام الاقتراعي المفترض، من المفضّل إجراء تجارب عملية والمقارنة مع دولٍ متشابهة من حيث تركيبتها الاجتماعية وتعدديتها الحزبية مع الواقع اللبناني لبيان أي نظامٍ انتخابي كان ملائماً لواقعها.

(]) أستاذ في الجامعة اللبنانية