IMLebanon

كم من «الجرائم» ارتُكِبت وستُرتَكب بـ «إسم النسبيّة»؟!

بات صعباً على بعض الديبلوماسيين الذين يواكبون التحضيرات لقانون انتخاب جديد فَهم المواقف المبدئية من شكل القانون ومضمونه، بعدما تبيّن لهم أنّ بعضاً ممّا هو مُعلن من مواقف بعض الأطراف يخالف ما هو مُضمَر. وهو ما زاد الإقتناع لديهم بأنّ منطق النسبية بات معروضاً للمساوَمة في السوق السياسية. فكيف تمّ التوصّل الى هذا الاقتناع؟

يكشف مراقبون للمساعي والجهود المبذولة تحت عنوان الوصول الى قانون انتخاب جديد أنّ المهمة صعبة جداً. فالمواقف المتحكِّمة بهذا القانون لم تتغيّر بعد منذ أن قُطعت الوعود به عقب انتخابات 2005 والذي تجدّد التعهّد في شأنه بعد انتخابات 2009 وصولاً الى الأمس القريب وهو ما أدّى الى التمديد للمجلس ولاية ثانية على دفعتين في 2013 و2014 بحجة الوضع الأمني في الداخل أولاً ومن ثمّ في المنطقة.

لم تعد هذه القراءةُ ملكاً للمراقبين المحليين الللبنانيين فحسب، فالديبلوماسيون الأجانب وممثلو الهيئآت الدولية والأوروبية الذين وضعوا خبراتهم وإمكاناتهم المالية في تصرّف المجموعات الحكومية التي سعت الى القانون الجديد وموّلوا أجزاء منها شجّعوا وما زالوا على أهمية احترام المهل الدستورية لتداول السلطة الى جانب البحث عن القانون الجديد ليحاكي العصر وتطلّعات فئآت واسعة من اللبنانيين يعترضون على صدقيّة مَن يمثلهم في المجلس النيابي من خلال علاقاتهم المميَّزة مع عدد من هيئآت المجتمع المدني وقادته.

ولذلك فقد سمح بعض الديبلوماسيين لأنفسهم الطلب والتمنّي بالإطّلاع على التحضيرات الجارية للقانون الجديد. وراح بعضهم أبعد من ذلك بحرصه على الإطّلاع على مجموعة المشاريع المتداوَلة أيّاً كان عددها ولم يتوانوا في مناسبات عدة عن توجيه الدعوة صريحة الى إجراء الإنتخابات أيّاً كان الثمن ووفق كثير من المعايير الدولية المعتمَدة في بلادهم والتي تحاكي الديموقراطية بأشكالها المتعدّدة مع الإشارة الى الخصوصية اللبنانية التي تحول دون اعتماد بعض ما تنصّ عليه القوانين المعتمَدة في عدد من بلدانهم والتي تُعدّ الأكثر شفافيةً بالنسبة اليهم.

وعلى هذه الخلفيات عبّر بعضهم عن الحيرة من المواقف الأخيرة التي رافقت البحث عن القانون الجديد، وتحديداً منذ أن ملأت الإنتخابات الرئاسية الشغور الذي حلّ عامين ونصفَ عام في القصر الجمهوري وتشكيل الحكومة الجديدة التي تعهّدت بوضع قانون جديد في المهلة القصيرة الفاصلة عن موعد الإنتخابات المقبلة المقررة في نهاية الولاية الممدَدة الى 20 حزيران المقبل.

وعليه، فقد توقف المراقبون ومعهم مراجع ديبلوماسية عند النقاط الآتية:

– تراجع حماسة الحكومة الجديدة عن بعض العناوين التي ضمنتها في تعهّداتها بالقانون الجديد على أساس النسبية فجاء البيان الوزاري خالياً من أيّ إشارة اليها ما شكل مقدِمة لشطبها من القانون.

– تراجع حزب الله وحركة «أمل» عن فكرة النسبية الشاملة على رغم الإشارات التي تضمّنتها سلسلةُ تصريحاتهم وبيانٌ لكتلة «الوفاء للمقاومة» الذي قال «إنّ النسبية الشاملة تشكل المعبر الإجباري» الى الإنتخابات المقبلة.

فإذا بسيل من المواقف التي وردت على لسان الرئيس نبيه بري و الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تتراجع في وضوح عن النسبية الشاملة الى ما هو أدنى درجة مراعاة لهواجس بعض الأطراف فاتحة المجال أمام حوار شامل في هذا الشأن قد يؤدي الى التضحية بالنسبية.

– الحملة التي شنّها كلّ من تيار «المستقبل» ضد بعض «أشكال النسبية في ظلّ السلاح» وصولاً الى إشارة رئيس الحكومة سعد الحريري بنفسه الى صعوبة تطبيقها والتي أكملها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط بحملة أكثر شراسةً ووضوحاً ضد أيّ شكل من أشكال النسبية وصولاً الى اتهام مطلقيها بـ«العلوج» الموجودين في أكثر من موقع في الحكومة والحياة السياسية اللبنانية محمِّلاً إياهم مسؤولية السعي الى «شطب مجموعة لبنانية» من الوجود.

– سيل الضمانات التي استقطبها جنبلاط بدءاً بتلك التي منحه إياها حزب الله في إشارة أمينه العام الى «بعض الهواجس التي نحترمها»، وتلك التي قطعها بري وصولاً الى الضمانات التي رغب رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بإعطائها لجنبلاط مؤكداً أنه لن يكون مع أيّ قانون لا يرضى به.

وأمام سيل هذه الملاحظات وأخرى متعددة، يبدو واضحاً للمراقبين من ديبلوماسيين ومحليين أنّ النسبية باتت على لائحة القضايا المطروحة للمساوَمة في وقت تضيق المسافات بين موعد الإنتخابات وتلك الخاصة بالمهل التي تتحدث عن تشكيل هيئة الإشراف على الإنتخابات ودعوة الهيئآت الناخبة بعد تحديد مواعيدها المقرَّرة في أيار المقبل.

مع الإشارة الى أنّ أيار بات يشكل المهلة الأخيرة للإستحقاق النيابي لسببين: أوّلهما للحؤول دون تجرّع العهد كأس التمديد للمجلس مرة ثالثة ولكون حزيران المقبل موعداً لإنتهاء ولاية المجلس الحالي ولكونه شهر رمضان فيستحيل لذلك تحوّله شهر انتخابات من هذا النوع.

وختاماً، يبدو أنه لهذه الأسباب ولأخرى قد تحوّل البحث عن قانون جديد للإنتخاب لغزاً من الصعب تفكيك رموزه في محيط رافض ومتفجّر يحول دون توليد قانون يُجمع عليه الساعون الى الحفاظ على مواقعهم في السلطة. ولذلك سترتفع نسبة المخالفات المرتكبة والتي تلامس في بعض جوانبها الجرائم بإسم النسبية، والمجال لإحصائها ليس صعباً لمَن أراد ذلك.