من المؤكّد أنّ قانون الإنتخاب الجديد سيكون مطروحاً في أولويات الحكومة العتيدة وسيحلّ ضيفاً ثقيلاً على البيان الوزاري، مع الإعتراف بأنه سيلقي بظلاله السلبية على مجموعة تمادت بعيداً في الدعوة الى النسبية بعد نعيها قانون الستين خشية البدء بإحصاء الخسائر التي ستُمنى بها مضافة الى اضطرارها للسعي الى التمديد مرة ثالثة للمجلس النيابي… فكيف ولماذا؟
الى جانب السعي الى تركيب «البازل الحكومي» ومحاولة فكفكة العقد المتصلة بالحقائب السيادية والأساسية الخدماتية من أجل وضع تصوّر أوّلي لشكل الحكومة العتيدة وتوزيع المقاعد، ثمّة مَن يبدي اهتماماً بالغاً بالقانون الجديد للإنتخاب على خلفية الوعد الذي قطعه العهد الجديد بالسعي اليه كمهمة أولى لا تتقدم عليها أيّ مهمة أو خطوة أخرى.
لذلك تعترف مراجع وزارية وإدارية عملت بجهد لإصدار قانون انتخابي جديد ووزّعت عليه الأوصاف المختلفة فقالت إنه قانون عصري وعادل يفسح المجال أمام تصحيح التمثيل السياسي والوطني والطائفي في مختلف الدوائر الإنتخابية ويُنتج مجلساً نيابياً أكثر اقتراباً من هموم الناس ومطالبهم الحياتية واليومية ويخضع أعضاؤه لمبدأ المحاسبة والمراقبة.
ويعترف هؤلاء أنّ المهمة في مضمونها العلمي والتقني لم تكن ولن تكون صعبة أبداً، لا بل إنّ اعتماد القواعد الرياضية والإحصائية الدقيقة يؤدّي الى قانون نسبي مثالي. فهم يراقبون عن بعد ومنذ أن وعدوا بهذا القانون كلّ القوانين المعتمدة في أرقى الدول الديموقراطية وفي تلك الساعية الى اعتمادها.
ولذلك فإنهم حلموا لفترة من الزمن بقانون يساوي في الفرص الممنوحة للمرشحين الى عضوية مجلس النواب في أفضل الظروف المادية والسياسية والطائفية بعيداً من منطق المحادل والبوسطات النيابية التي تتحكّم بها قلّة من الأقطاب السياسيين وبقي الحلم حلماً.
لكنّ بعض هؤلاء لا يرغبون في الكشف عميقاً عن الظروف والأسباب التي تحول دون الوصول الى مثل هذا القانون ويكتفون بالقول إنّ الظروف السياسية في لبنان هي التي تمنع إقراره ويردّونها الى رغبة مجموعة تحكّمت بالبلد طويلاً وتريد الإستمرار في نهجها، فلا تفوّت فرصة تحول دون ولادة هذا القانون من أجل استغلالها وتعطيله لإبقاء القديم على قدمه وهم يتناوبون الأدوار والمواقف وفقاً للظروف السياسية وموازين القوى المتأرجحة بين فترة وأخرى.
ثمّة مَن يعترف اليوم أنّ الظروف التي عاشتها البلاد أدّت الى التمديد للمجلس النيابي مرتين عام 2013 وعام 2015 من دون أيّ مسوغ شرعي أو سبب مقنع.
فربط القرار الأول بالظروف الأمنية التي لم تكن ملائمة لإجراء الإنتخابات فيما الحقيقة كانت في مكان آخر ولم يشأ أيّ مسؤول الكشف عنها في حينه رغم معرفته بأنّ ما جرى شكّل وما زال الى اليوم «كذبة كبيرة»، فكلّ المخارج التي اقترحها المعنيون يومها لم يُؤخذ بها وعُدّت رغم بساطتها أنها من باب التجنّي على السلم الأهلي والسعي الى الفتنة المذهبية.
وزاد في الطين بلة أن لجأ دعاة التمديد للمجلس مرة اخرى الى اتخاذ القرار عينه وللأسباب عينها في مرحلة من الإستقرار النسبي الذي كانت تعيشه البلاد. لكنّ الرسالة التي أرادت مجموعة من القياديين توجيهها الى الأقربين والأبعدين والحلفاء وحلفاء الحلفاء كانت واضحة وصريحة.
وقد تولّى المهمة بجدارة حلف قوي ومتين رغم تركيبه على عجل وموقتاً. ولذلك تعطلت كلّ وسائل المراجعة والطعن ووضع المجلس الدستوري على الرف وشوّهت صورته ودوره الى اقصى الحدود.
ليس في كلّ ما ورد شيء مخفي أو غريب، ففيه ترجمة لواقع عاشته البلاد طيلة السنوات الثماني الماضية تحكمت فيها الكيدية السياسية التي استندت الى أحلاف جمعتها المصالح الآنية والموقتة رغم خلافاتها حول كثير من الملفات المطروحة، ولم تلتق سوى على الإستمرار في تقاسم السلطة والنفوذ على ما هو قائم.
وعليه يعترف كثر أنّ نسبة التفاؤل بالتوصل الى قانون جديد سواء اعتمد النسبية الكاملة أو المجتزأة ما زالت متدنّية وكما كانت قبلاً. وإذا صح القول إنّ هناك تفاهمات سبقت التوصل الى تسوية الإنتخابات الرئاسية نهاية الشهر الماضي، فإنّ السيناريو الذي سيُعتمد لتطيير القانون الجديد لن يشكل مفاجأة لأحد على الإطلاق وسيعيد التاريخ نفسه في مهل قياسية.
في الطريق الى البحث عن النتائج المتوقعة لقانون يعتمد النسبية سيُصاب كثر بشظاياها عند إحصاء الخسائر. وإن كانت الثنائية الشيعية لا تخفي الحديث عن حجم خسائرها ذلك أنها لا تتجاوز الـ 15 في المئة من عدد نوابها.
لكنّ الطائفة السنّية ستعيش حالاً من الهلع عندما تحصي خسائرها، فالأكثرية الحالية ستخسر 40 في المئة من تمثيلها النيابي وهو أمر يتجنّبه قادتها والغيارى عليها في آن عند وجود الحد الأدنى من التفاهمات في ما بينها تحت شعار قطع دابر الفتنة المذهبية والساعين اليها.
أما الإحصائيات على الساحة المسيحية فما زالت تخضع للأخذ والرد طالما أنها لم تشهد بعد مظهراً من مظاهر الآحادية ولا الثنائية التي تعيشها الساحات الطائفية الأخرى. وعلى رغم توجّس البعض من احتمال أن تقوم ثنائية مسيحية جديدة يسعى اليها البعض، عندها يمكن ربط نتائج أيّ انتخابات بما سيكون عليه شكل الدوائر الإنتخابية وحجمها وطريقة تقسيمها، فتتكرّر تجربة الإنتخابات البلدية والإختيارية التي حالت دون هذه الثنائية.
وختاماً لا بد من الإشارة الى أنّ السعي الى قانون جديد للإنتخاب يعتمد النسبية دونه معوقات، خصوصاً عند ربط تنفيذه بولادة الحكومة الجديدة التي ربما سيطول انتظارها ليتمّ الربط تالياً بين إمكانية تطبيقه والمهل الضيقة الفاصلة عن مواعيد الإنتخابات في الربيع المقبل فيعود البحث في مخرجين لا ثالث لهما: فإما التمديد التقني للمجلس النيابي لأشهر عدة وهو أمر شبه مستحيل إذا صدقت المواقف المبدئية منه، أو اعتماد قانون الستين وهو مرجح وعندها سيُؤجَل البحث في القانون الجديد الى ربيع الـ2021.. ومَن يعش يرَ!؟