IMLebanon

هل تؤمّن النسبية المناصفة والشراكة؟

إنّ إصرار بعض السياسيين والزعماء على تبنّي «النسبية» خياراً للإنتخابات النيابية، يجعلنا نوضح ونكرّر أنّ النظام النسبي هو أفضل وأعدل الأنظمة الإنتخابية، في الدول المدنية العلمانية الراقية، حيث تتنافس فيها الأحزاب على مبادئ وبرامج، لا على إتنيات وأعراق وأديان، وتتمثل من خلاله، كلّ التيارات والأحزاب السياسية المتنافسة، بالنسب التي تحصل عليها في الإنتخابات.

ففي الدول التي تعتمد النظام النسبي، لا يوجد في دساتيرها أيّ مادة تتكلم عن المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وعن «لا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشتـرك».

كما لا يوجد فـي دساتير هذه البلدان أيّ مادة تنصّ «أنّ التمثيل النيابي يكون بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، ونسبياً بين طوائف كلٍّ من الفئتين، ونسبياً بين المناطق». إنّ الديموقراطية الطائفية التي توافق عليها اللبنانيون والتي كرّست المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، غير موجودة في أيّ دستور من دساتير العالم.

لذلك، يُعتبر النظام النسبي في الإنتخابات، إبن الدول المدنية العلمانية، والمجتمعات الديموقراطية العريقة والمتقدّمة، والملائم لحياتها السياسية والإجتماعية. ولا يمكن أن يصحّ في المجتمعات الطائفية والمذهبية التي يسعى بعضها إلى «تناتش» السلطة والنفوذ، والبعض الآخر إلى إستجداء المناصفة والشراكة، وفـي بلد لا تتعدّى نسبة المسيحيين فيه ثلث عدد سكانه.

فالنظام النسبي يعبّر عن الوجود الديموغرافي للمسيحيين، بحيث لا يتمكّن المسيحيون بأصواتهم من إيصال أكثر من 34 في المئة من النواب بالحدّ الأقصى، باعتبار أنّ وجودهم لا يتجاوز هذه النسبة.

ما هي الإتجاهات الرئيسة لنظام التمثيل النسبي؟ (في البلدان العلمانية التي لا تُحدّد فـي دستورها وقوانينها طوائـف النواب، ولا توزّع مقاعدهم على الطوائف والمذاهب والمناطـق كما هي الحال في لبنان: 34 موارنة، 14 أرثوذكس، 8 كاثوليك، 5 أرمن أرثوذكس، 1 أرمن كاثوليك، 1 إنجيلي، و1 أقليات مسيحية. (مجموع المسيحيين 64). و27 سنّة، 27 شيعة، 8 دروز، و2 علوي.

(مجموع المسلمين 64). والأغرب من ذلك، أنّ هذه المقاعد المذهبية موزّعة على 26 منطقة حيث تتواجد هذه المذاهب! فبربكم قولوا لي أيها السادة الزعماء، عن أي نسبية تتكلمون وكيف يمكنكم تطبيق المناصفة وتأمين الشراكة فـي ظلّ الخلل الديموغرافي والتوزع الطائفي والمذهبي والمناطقي؟).

1- نظام القائـمة المفتوحة (الحرة):

يعطي الناخب إمكانية إختيار أسماء من بين أكثر من قائمة (لائحة) حزبية، وهذا النظام يتطلّب مستوى من المعرفة والإستيعاب لطبيعة هذا النظام، والقدرة على التمييز بين أسماء في عدد من لوائح أحزاب وتيارات مختلفة، وهو معقّد ويطبّق فـي عدد قليل من الدول منها سويسرا وفنلندا والسويد.

2 – نظام القائمة المرنة:

يُعطي الناخب إمكانية التأشير لأسماء فـي قائمة واحدة، حسب التسلسل الذي يرتأيه، وحسب قناعته بأفضلية المرشحين، ما يعطي فـي النهاية ترتيباً للأسماء في القائمة بحسب الأصوات الحاصل عليها كل إسم.

3- نظام القائمة المغلقة:

وهو النظام الذي يطرحه بعض السياسيين عندنا، وهو أسهل البدائل الموجودة، ويعتمد آلية القائمة التي يتمّ التصويت عليها كما هي من دون أيّ تغيير فيها، ويناسب الدول التي يوجد فيها ناخبون أمّيون، ولكن طبعاً لا توجد فيها 19 طائفة و11 مذهباً تتقاسم المقاعد النيابية الموزّعة على المناطق بعدد محدّد لكلّ مذهب!

الدوائر الإنتخابية وطريقة الإقتراع

في نظام القائمة النسبية، وفي البلدان الصغيرة بمساحتها وعدد سكانها، يكون الوطن كله دائرة إنتخابية واحدة، وقد تكون المحافظة دائرة واحدة، أو تُقسم المحافظة إلى دائرتين أو ثلاث دوائر.

• يُقدّم كلّ حزب أو تيار، أو مجموعة أحزاب قريبة من بعضها فـي الإفكار، أو حتى مجموعة من المستقلين، لائحة بالمرشحيـن للدائرة.

• تتنافس اللوائح المختلفة ويصوّت الناخبون لإختيار اللائحة التي تناسبهم.

• لا يقترع الناخب لمرشح، بل يقترع للائحة، كما لا يحقّ له إضافة أسـماء من لوائح أخرى إلى اللائحة التي يختارها، فخيار الناخب محصور بالمفاضلة بين اللوائح المتنافسة، وليس بين المرشحين المنتمين إلى هذه اللوائح، كما هي الحال في نظام الإقتراع الأكثري.

• إذا كان النظام النسبي على أساس «القائمة المغلقة»، لا يستطيع الناخب أن يغيّر فـي ترتيب الأسماء الموجودة على اللائحة التي إختارها.

• أما إذا كان النظام النسبي على أساس «القائمة المرنة»، فيستطيع الناخب أن يضع بالترتيب الذي يرتأيه الأسماء الموجودة على اللائحة التي إختارها.

• بعد إنتهاء الإنتخابات، توزّع مقاعد الدائرة على اللوائح بنسبة عدد الأصوات التـي حصلت عليها كلّ قائمة.

مثال على إنتخابات بالقائمة النسبية

فـي ما يتعلق بآلية فرز الأصوات وتحديد اللوائح والمرشحين الفائزين:

1) يتمّ أولاً تحديد عدد الأصوات التـي نالتها كلّ لائحة.

2) يجرى تحديد عدد المرشحين الفائزين في كلّ لائحة، عبر قسْمة إجمالي أصوات المقترعين على عدد المقاعد المخصّصة للدائرة الإنتخابية الواحدة، بغية الـحصول على معدّل الأصوات اللازمة للفوز للمقعد الواحد، أو ما يُسمّى «الحاصل الإنتخابي».

• لِنفترض أنّ المقاعد المخصّصة لدائرة معينة 20 مقعداً، ولِنفترض أيضاً أنّ مجمل الذين إقترعوا في الدائرة 300.000 صوت. عندها، علينا قسْمة عدد المقترعيـن على عدد المقاعد. أيْ قسْمة 300.000 على 20 فتكون النتيجة (15.000)، وهي «الحاصل الإنتخابي».

3) فـي مرحلة ثانية، ومن أجل تحديد نصيب كلّ لائحة من مجمل المقاعد، يجب قسْمة مجمل عدد الأصوات التي نالتها كلّ لائحة على حدة، على «الحاصل الإنتخابي» الذي هو (15.000)، ليُصار إلى تحديد نصيب اللائحة من مجمل المقاعد. (العشرين).

• إذا حصلت إحدى اللوائح على 150.000 صوت، يُقسم هذا العدد على «الحاصل الإنتخابي» (15.000)، فتكون النتيجة 10، وبالتالي تفوز اللائحة بعشرة مقاعد.

• وإذا حصلت لائحة ثانية على 90.000 صوت، يُقسم أيضاً هذا العدد على «الحاصل الإنتخابي» (15.000)، وتكون حصتها ستة مقاعد.

• أما اللائحة الثالثة التي نالت 60.000 صوت فتكون حصتها أربعة مقاعد.

وهكذا، فإنّ المقاعد العشرين التي نالتها اللوائح الثلاث: 10 للائحة الأولى، و6 للثانية و4 للثالثة، تكون من نصيب أصحاب المراكز الترتيبية الأولى فـي هذه اللوائح وفقاً للنظام النسبي. أما في لبنان، وإذا تمّ إعتماد النظام النسبي، فستقع المشكلة في كيفية إختيار المرشحين الفائزين فـي كلّ لائحة، للمحافظة على التمثيل الطائفي والمذهبي والمناطقي.

وفي هذه العجالة، لن نتكلّم عن اللوائح التي لم تنل «الحاصل الإنتخابي»، وأين تذهب أصواتها، وعن قاعدة الكسر الأكبر، ولا عن الصوت أو الصوتين التفضيليين في كلّ لائحة، إذا تمّ إعتماد الصوت التفضيلي، ونكتفي بالتعقيدات المذكورة أعلاه، لنقول لجميع السياسيين الذين يبشّرون بالنظام النسبي، إنكم تخيّطون ثوباً لوطن لا يشبه لبنان.

والحلّ الوحيد هو بوضْع قانون إنتخابـي جديد ومتطوّر يناسب المرحلة السياسية والإجتماعية التي يمرّ بها وطننا، ويتناسب مع تركيبته الطائفية والمذهبية والثقافية، فيؤمّن التمثيل الصحيح لكلّ فئات الشعب، ويحقّق المناصفة العادلة التي كرّسها إتفاق الطائف.

على جميع السياسيين والمسؤولين وزعماء الأحزاب والتيارات، وخصوصاً الزعماء والقادة المسيحيين، التخلّي عن أنانياتهم ومصالحهم الشخصية والإنتخابية الآنية، والعمل بأقصى سرعة على مشروع إنتخابي جديد، يتخذ من الدائرة الفردية، أو الدائرة الصغرى، ومن نظام «الصوت الواحد لمرشح واحد»، منطلقاً لتبديد الهواجس ولمعالجة الغبن الذي أصاب وهمّش المسيحيين، فيخفّف من طغيان وهيمنة الأكثرية العددية في كلّ دائرة، ويسمح للمسيحيين باختيار ممثليهم الحقيقيين،

وبتعـزيز مواقعهم ووجودهم في مواجهة البوسطات والمحادل… ثمّ الإنتقال بعدها، إلى إنشاء أحزاب وطنية لا طائفية، تعبّد الطريق أمام الدولة المدنية العلمانية، وأمام النظام النسبي الصحيح، بحيث تتنافس الأحزاب على برامجها وطموحاتها الوطنية والإقتصادية لا على طوائفها ومذاهبها.