ستنال حكومة العهد الأولى برئاسة سعد الحريري ثقة شبه اجماعية في البرلمان. وحتى حزب الكتائب الذي يجد نفسه في الصف المعارض، قد يقترع نوابه بالامتناع وليس بالرفض، اثباتا لمقولة رئيس الحزب بالتزام مبادئ المعارضة البنّاءة والحضارية. والمحطة التي تسبق جلسة الثقة، وهي المتعلقة بالبيان الوزاري، ستمرّ دون تعقيدات كبيرة أو معطّلة أو مؤذية. وبعد هذين الاستحقاقين ستنصرف الحكومة الجديدة الى العمل بدينامية استثنائية، مدفوعة بثلاثة عوامل: نبض العهد المستمد من رئيس الدولة. وحماسة الوزراء لا سيما الذين يشغلون المنصب للمرة الأولى لاثبات أهليتهم وجدارتهم. وثالثا، شعور بالإثم يخيّم على الجميع، وارادة التعويض عن الوقت السابق المهدور!… ولكن كيف؟
ستعمل الحكومة على خطين. الخط الأول، سينصرف الوزراء الى العمل داخل وزاراتهم ومعالجة قضاياها الملحّة والعاجلة في اطار مسؤولياتهم الدستورية. وينصرف مجلس الوزراء مجتمعا الى معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ثم السياسية الطارئة التي تحتاج الى قرارات في مجلس الوزراء، وهذا هو الجانب المعلن. الخط الثاني الأصلي والأساسي والاستراتيجي هو العمل على وضع قانون جديد للانتخابات بعقلية ان العدو أمامكم والبحر وراءكم على اعتبار أن قيادة حملة الفتح الجديدة أعلنت عن احراق قافلة سفن قانون الستين والتمديد للبرلمان التي أوصلت عسكرها محمولة على تلك السفن لخوض الحرب ضد مثالب الماضي الانتخابية والسياسية، وفتح أرض جديدة، أرض اللبن والعسل التي تسمّى بقانون النسبية!
هذا الجانب الثاني من عمل الحكومة سيكون بعضه وأقله في العلن، وغالبيته ستجري في كواليس السياسة وصراع المصالح بين الكتل والتيارات والأحزاب والطوائف. وهو صراع مرير ومتفجّر وخطير. واعتمد لبنان في تاريخه الاستقلالي على القانون الانتخابي السهل المعروف بالأكثري، ليس فقط لأنه بسيط، بل لأنه أيضا وأولا يضمن مصالح التكتلات السياسية النافذة ويلغي كل ما عداها، عن طريق المحادل السياسية! وهذا هو الإرث المسموم والتركة الخبيثة التي وصلت الينا اليوم، ويتوجب دفنها، وليس اعادة توزيعها حصصا على الورثة! وكل قديم وفيه لحسة لذيذة الطعم، من الصعب التخلّي عنه بسهولة. وكل جديد وغامض يدبّ الهيبة والتخوّف في النفوس، لأنه في نظر الطقم القديم نوع من الدخول في المجهول، وحسابات الربح والخسارة فيه غير دقيقة وغير معروفة سلفا!
يستسهل كثيرون الحديث عن القانون النسبي على اعتبار ان النسبية كلمة بسيطة مثل كلمة الأكثرية. ولعل غالبية من السياسيين وغيرهم لا تدرك تعقيدات القانون النسبي وتفاصيله ومفاتيح عمله، وأي تفصيل صغير فيه قد يقلب النتيجة رأسا على عقب، على عكس المأمول من هذا النظام. ومثال ذلك كيفية احتساب نسبة القطع، أو كيفية احتساب الأصوات الضائعة للأحزاب التي لم تحصل على الحد الأدنى المحدد من الأصوات. والقانون النسبي يختلف من بلد الى آخر. وهذا يعني ان المطلوب هو تفصيل قانون نسبي يتناسب مع الوضع اللبناني، وان يكون في الوقت نفسه عادلا ومنصفا بالنسبة لصحة التمثيل… وهذه مهمة تحتاج الى أبطال وليس الى سماسرة!