تعتبر الحكومة الحالية اول تجربة جديدة لعمل السلطة التنفيذية منذ اقرار اتفاق الطائف واحالة صلاحيات رئاسة الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعاً في ظل رئيس حالي للبلاد يمتلك قاعدة شعبية وكتلة نيابية – وزارية واسعة ومدعوم من رئىس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي تبنى ترشيحه الى هذا المنصب. وكذلك، في موازاة رئيس للحكومة سعد الحريري ينسحب عليه الواقع عينه لناحية القوة الشعبية والسياسية يملك اوسع كتلة نيابية وزارية بين القوى السياسية، اذ في هذه التركيبة سيكون لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون كتلة وزارية ونيابية تمكنه ان يكون فاعلا كما هو ردد سابقا في ظل خسارة رئاسة الجمهورية هذه الصلاحيات في اتفاق الطائف وسيكون صاحب قرار وليس متفرجا.
لكن ذلك لا يفسد في الود قضية بين عون والحريري، استنادا الى التفاهم الذي أرساه كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبيل انتخابه، ابان رئاسته لتكتل التغيير والاصلاح مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري قبل تكليفه لتشكيل الحكومة، نظرا لنقاط التفاهم التي اثارت ريبة قوى الممانعة.
ورغم المعادلة التي تقر بوجود رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة قويين، فان التشكيل الحكومي يتم على نار هادئة بحسب اوساط متابعة ودون حدية عكسها اي منهما على غرار ما كان يحصل ابان تشكيل الحكومات السابقة، فقط موقف واحد لعون، وجه للمعطلين بأنهم يريدون تعقيد التشكيل لكونهم غارقين في الفساد ولا يريدون الاصلاح والتغيير، في وقت قرر الرئيس الحريري فكفكة الألغام دون انفجارها في وجهه، الا ان الواضح في هذا المسار أن لكل توقيته و«اجاندته» الخاصة في مسار التشكيل الحكومي، فالحريري التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري كمفوض عن الثنائي الشيعي، لاستكمال النقاش الحكومي قبيل كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بساعتين، وكأنه رسم خريطة طريق للتشكيل بمنأى عما قد تحمله رسائل نصرالله تعقيدا ام انفراجا، ولكن كلامه تضمن مواقف يمكن اعتبارها «كحّلت الأزمة الحكومية ولم تعمها»، اذ أكد نصرالله على ثقته بحليفه عون ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل وغمز من قناة حليفه النائب سليمان فرنجية لناحية ضرورة ارضائه وغازل القوات اللبنانية في خطوة حسب أوساط مطلعة تحمل اشارة للثنائي المسيحي بأن لا رغبة لدى الثنائي الشيعي بتوتير العلاقة معهما، بحيث أعطى امين عام حزب الله القوات اللبنانية حقها بواقعها التمثيلي ودورها في المعادلة السياسية.
ويندرج تنازل بري عن «الاشغال» لصالح فرنجية تضيف الاوساط، في سياق المناخ الايجابي المرافق لتشكيل الحكومة وترجمة لخطاب نصرالله وجرعة معنوية لصالح رئيس المردة كمرشح رئاسي احتياطي من شأنها ان تعزز عودته الى الحلبة لمواجهة ترشيح جعجع في المستقبل على ضؤ خطوات اخرى من شأنها ان تعدل في التوازات دون نسف التفاهمات من خلال اعتماد قانون للانتخابات النيابية يعتمد النسبية ويشتت او يقلص حجم الكتل المواجهة لمسار الممانعة.
واعتماد الحريري الهدؤ في تعاطيه مع ازمة التشكيل لا يعود فقط الى انه فاجأ بري في «سحب الارنب» هذه المرة فأنهى الفراغ وقطع الطريق على نسف الطائف وتجاوب مع خيار الأكثرية المسيحية بانتخابه عون، فايضا جعجع يقارب هذا الملف من زاوية المبادرة الهادئة تقول اوساط مسيحية، متمسكا بحصة القوات دون أن يحتسب عليها أي خطوة تعطيلية، بحيث تمسكه بحق رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف بتشكيل الحكومة يأتي في سياق حرصه على روحية الطائف ودستوره، خصوصا انه لطالما كان من المدافعين عنه.
جعجع يطبق من زاويته خيارا التزمه بعد نحو 27 عاما، عندما بحث وعون اتفاق الطائف ابان تولي الاخير الحكومة العسكرية اثر زيارته له، حيث فاتحه الجنرال يومها بانه سيكون خشبة خلاص المسيحيين باسقاط اتفاق الطائف، ورد جعجع عليه قائلا «علينا ان نتفاهم، والقوات ستكون خشبة خلاص المسيحيين اذا طبق اتفاق الطائف».
ولذلك فان جعجع يندفع باتجاه اتفاق الطائف، برأي الاوساط، خصوصا بعدما وضع عون «ماء في كأس نبيذه» ويعمل لتعزيز عودة المسيحيين الى الدولة، على ما اضحى الخطاب مشتركاً بينه وبين باسيل، سيما انه كان قرر في العام 1993 المشاركة بقوة في الانتخابات النيابية للعام 1996 يومها بهدف منع المسيحيين من مغادرة الدولة ودخول القوات الى مجلسي الوزراء والنواب بعدد لا بأس به، لكن تفجير كنيسة سيدة النجاة المتعدد الأهداف من قبل الجهات المعروفة والقادرة، حمله الى الاعتقال بهدف اقصائه واخراجه من المعادلة التي عاد اليها في حد أقصى مرشحا رئاسيا وفي أدناها صانعا للرئيس، ولذلك لن يفوت جعجع هذه الفرصة في تعزيز موقعه المسيحي في الحكومة مع ما يلي هذه الخطوة من اجراءات على عدة اصعدة وبينها الاداري بالتنسيق مع التيار الوطني.
ويبدو حتى حينه أن «حزب الكتائب» هو الضحية الاولى لهذه التشكيلة الحكومية بحيث لن يتمثل حتى بوزير واحد طالما ان تشكيلة الحكومة تتكون من 24 وزيرا، رغم امتلاكه كتلة نيابية مؤلفة من 5 نواب يرئسها رئيس الحزب النائب سامي الجميل.الا اذا سحب الرئيس المكلف مسودة صيغة الثلاثين وزيرا من درجه بتوازنات هو رسمها ورفعها الى رئيس الجمهورية.
واذ كان الكلام في محيط عون بانه لا حاجة لدعم الرئيس الجميل ونجله النائب سامي له طالما لم يشارك الحزب في انتخابه رئيسا، حيث كان فاز من الدورة الاولى بحصوله على ثلثي اصوات الأعضاء، لانه كان بحاجة الى 3 أصوات اضافية فيما كتلة الكتائب مؤلفة من 5 نواب قادرة على تامينها له، ولما كانت حصلت «مسرحية الاوراق»، التي كان هدفها تشويه هذا المحطة المفصلية.
في المقابل، تتعاطى القيادة الكتائبية على ان الحزب مارس قناعاته فلو كان الحزب عمد الى انتخاب عون رئيسا، لكان خسر رصيده ومصداقيته، ولكان عون أيضا يتعاطى بعدم احترام مع القناعات السياسية التي تعبر عنها الكتائب. لذلك فان عدم تمثيل الحزب لو حصل لن يكون نهاية المسار السياسي، ففي منطق قيادي حزبي كتائبي ان المشاركة في الحكومة تهدف للدفع نحو قانون انتخاب عصري وهو ما يمكن ان يتحقق من خلال متابعته في مجلس النواب وبذلك لا يريد الحزب أن يفرط بثوابته للمشاركة في حكومة الستة أشهر.
وإذا كان الاعلان عن تشكيل الحكومة بات محسوما بعد اجتياز الألغام، فان مهلة إنجاز البيان الوزاري تبقى محط ترقب، فيما صيغة قانون الانتخاب تبقى المحور الأساسي في جلسات عملها بعد حيازتها الثقة وذلك على وقع مطالبة السيد نصرالله بالقانون النسبي والتعارض والتضارب بين موعد إقراره وموعد اجراء هذا الاستحقاق في موعده في مقابل تمسك رئيس الجمهورية بإحترام الاستحقاقات الدستورية في موعدها، لان القانون النسبي والتحضير له وتأهيل المواطنين تتطلب عدم اجراء هذه الانتخابات في موعدها.