اجماع الأمة على الخطأ خير من احترابها على الصواب. ذلك أن الخطأ يمكن تصويبه مع متابعة المسار والتقدم الى الأمام، أما الانقسام والاحتراب فهما بداية طريق الى النهاية. وقد لا يكون مشروع قانون الانتخاب المتفق عليه مبدئيا من جميع المكونات اللبنانية على أساس النسبية في اطار خمس عشرة دائرة، هو الخيار المثالي. غير ان الانتقال من النظام الأكثري الذي كان نظام حياة بخيره وشروره ومفاسده طوال سبعة عقود ونيّف، الى النظام النسبي الأكثر انصافا وتمثيلا، هو حدث تاريخي بحدّ ذاته، ونقلة نوعية الى الأمام في المسار الديموقراطي وفي الاتجاه الصحيح!
***
… والاتجاه الصحيح يعني التخفف، ولو ببطء وعلى مراحل، من ملوثات النزعات الطائفية والمذهبية، ونعرات كراهية الآخر، والتقدم نحو بناء حياة سياسية مستقرة، على أساس المواطنة والمساواة والعدالة، والحد من الفساد… وهي الأسس الصلبة للدولة العصرية الحديثة. ولا نتحدث هنا لا عن المدينة الفاضلة لأفلاطون أو الفارابي على المستوى النظري والمثالي البحت، وانما عن نظام فيه الصواب والخطأ، والصلاح والفساد، ولكن فيه أيضا آليات لاصلاح الأخطاء ومحاسبة الفاسدين، وغير ذلك.
***
في بلد متعدّد ومتعثر بخياراته السياسية والوطنية، ومثخن بجراح الطائفية والمذهبية والفتن والتعصب، يحتاج الجميع الى الاقلاع عن المنطق الطائفي البغيض، حتى ولو كان في معرض التقرّب الصادق أو التزلف المزيّف. ونحو ثلاثة أرباع القرن من التيه والضياع تكفي. والفرصة التاريخية متاحة اليوم على المستويين: مستوى القيادة المتطلعة الى الاصلاح والتغيير، ومستوى الرأي العام الشعبي الذي سئم ونفد صبره، ويتطلع الى التخلص من نظام طائفي يدمّر حياة شعبه جيلا بعد جيل.