كل ما قيل وما سيقال في قانون الانتخاب الجديد، وما يرجم به من انتقادات ومآخذ ويسجل عليه من ملاحظات، محق في غالبيته، ولكنه لا يقلل من جذرية الانتقال من النظام الأكثري الى النظام النسبي. وتنسى غالبية من الناقدين واللبنانيين ان النظام اللبناني ولد في الأصل وهو مصاب ب تشوّه خلقي كان السبب في كل ما عاناه لبنان من ويلات ومصائب، وجعله مريضا مصابا بداء مزمن الطائفية، وعاجزا عن الحركة بحيوية، والتقدم الى الأمام ببطء وتثاقل، ومجتمع لبنان السياسي هو التعبير العملي عن هذا العجز، فلا تسألون عن سقم لبنان لأن صحته هي العجب! وان يتمكّن هذا المجتمع السياسي المريض من احداث هذا الانتقال من الأكثري الى النسبي هو من دواعي العجب أيضا!
ما بعد إقرار قانون الانتخاب في البرلمان لن يكون مثل ما قبله. وفترة انتظار حلول موعد اجراء الانتخابات ربما هي طويلة بأكثر مما ينبغي، بحيث يخلق الله ما لا تعلمون!… ومن الطبيعي أن تطغى على الجميع عجقة الانتخابات، لكن من غير الطبيعي ان تطغى كليا على اهتمامات الرئاسات الثلاث دون غيرها من قضايا الشأن العام والناس، وغالبيتها تحمل طابع المعجل المكرر. وهذا يعني ان عمل الرئاسات الثلاث في هذه الفسحة الطويلة من الزمن ينبغي ان ينصرف للتعويض عما فات من هدر للوقت بذريعة قانون الانتخاب، وما أهدر باسمه من طاقات وفرص، وما عطّل من مشاريع ومبادرات.
لم يكن مفاجئا أن يتصدر حديث شبهة فساد المتاجرة بقانون الانتخاب حتى قبل إقراره! وما أثير عن صفقة البطاقة الممغنطة ليس شائعة في سماء صافية! والثقافة التي تربّى عليها اللبنانيون هي الفساد، وان أساس كل صفقة هو البخشيش!. الى درجة الاعتقاد ان اختيار المشاريع يتم ليس على أساس مصلحة البلد بل تبعا لما يدرّ من المال الحرام على الجيوب العامرة. ولعل من فوائد اطلاق مثل هذه الشائعات انه يخلق جوا من الترقّب، ويضع تفاصيل ما يجري تحت أنظار الناس الذين يفتحون حدقات عيونهم على وسعها! وذلك يفيد أحيانا في الضرب على اليد قبل أن تمتد لارتكاب المعصية… وعلى كل حال فالنظام النسبي جديد على السياسيين والمواطنين، وقد يحمل معه نتائج غير متوقعة، والتجربة أكبر برهان!